قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء:١٤٢] خدعتهم لأولياء الله: أنهم يشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله ويخفون الكفر في قلوبهم، فيظنون أنهم يخادعون أهل الإيمان، ويظنون أنهم يخادعون الله.
وخدعة الله لهم كما ذكرها كثير من أهل التفسير: أن الخدعة هي التي ذكرت في سورة الحديد، قال الله سبحانه وتعالى فيها:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}[الحديد:١٣] حيث يوزع النور على أهل الإيمان كل بحسبه، وعلى كل من شهد أن لا إله إلا الله على قول، فيمشي المؤمنون ونورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وأمامهم وخلفهم، فيأتي نور أهل النفاق فيُطفأ، ويقول أهل الإيمان:{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم:٨] فيبقى نور أهل الإيمان، فيمشي أهل الإيمان وراء نورهم الذي يسعى من بين أيديهم ومن خلفهم.
فأهل النفاق ينادون أهل الإيمان: يا أهل الإيمان! أمهلونا، وانظرونا نقتبس من نوركم، انظرونا أي: انتظرونا نمشي وراءكم نستضيء بنوركم في هذه الظلمات -يوم القيامة- {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:١٣] وحتى تبرأ ساحة أهل الإيمان من الكذب لم يقل: قال أهل الإيمان ارجعوا وراءكم، بل قال:(قيل ارجعوا وراءكم)(قيل) والله أعلم من القائل! {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:١٣] أي: ارجعوا إلى مكان النور الذي كان يقسم فيه فالتمسوا نوراً، فيهرول أهل النفاق إلى حيث كان النور يقسم، فلا يجدون نوراً، فيأتون كرة أخرى إلى أهل الإيمان كي يلحقوهم، فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
فهذه هي خدعة الله التي يخدعهم بها، فيضرب بينهم بسور له باب:{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ}[الحديد:١٣] أهل الإيمان بما هم فيه من نعيم وبما معهم من نور، {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد:١٣] فينادونهم من خلف هذا السور {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ}[الحديد:١٤] كما في هذه الآية {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ}[النساء:١٤١] ، {وَارْتَبْتُمْ}[الحديد:١٤] أي: شككتم في بعث الله {وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}[الحديد:١٤] الآيات قال الله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء:١٤٢] فهذه هي الخدعة التي يُخدع بها أهل النفاق يوم القيامة كما أطلق ذلك كثير من أهل التفسير وتواردوا عليه.