قال تعالى:{وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الذاريات:٢٩-٣٠] ، فلا معنى للجدل ولا معنى للمراجعات، فإن الجدل والمراجعات إذا كانت تجزي فلتجادل ولتراجع، لكن إذا كان هناك أمر قد قضاه الله ونفد فلا معنى للجدل ولا معنى للمراجعات، ويؤخذ من هذه الآية: فقه الخطاب والتحاور مع الناس، فإذا كان كلامك مع الناس له جدوى أو إذا كان إلحاحك سيأتي بفائدة فلتلح ولتجادل، لكن إذا كان الجدل والكلام ليس من ورائه فائدة، فحينئذ أمسك عليك لسانك، وبهذا جاءت نصوص الكتاب العزيز.
قال الله في شأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}[هود:٧٤] بالغلام {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود:٧٤-٧٥] ، والحليم: هو الذي يتأنى ولا يبادر في إنزال العقوبات على الناس، فإبراهيم لما أخبرته الملائكة أنهم متجهون إلى المؤتفكات -مدائن قوم لوط- لتدميرها، بدأ يجادل عن قوم لوط ويطلب المهلة لهم، كما قال تعالى:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}[هود:٧٤-٧٦] أعرض عن هذا الجدل، {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[هود:٧٦] ، فلا معنى للمناقشة والجدل، فليقف الجدل ولتقف المناقشات التي ليس وراءها كبير طائل وكبير جدوى، وكذلك قال الملك لمريم عليها السلام لما قالت:{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم:٢٠] قال الملك: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}[مريم:٢١] ، فلا معنى للجدل بعد أن قضى الله سبحانه وتعالى الأمر، وكذلك قال ربنا سبحانه وتعالى لزكريا صلى الله عليه وسلم:{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}[مريم:٩] ، فلا معنى للجدل ولا للكلام إذا لم يكن من وراء الجدل كبير فائدة ولا كبير طائل.