قال الله تعالى:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف:٥٢] ، قوله: ((ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)) هل هو استمرار لمقولة المرأة، أي: أنها تحرص على إرضاء يوسف في غيابه؟ هذا ما قال به فريق من المفسرين، أم هو قول يوسف عليه السلام: أي أني لم أخن سيدي بالغيب في امرأته؟ وهذا له وجه كذلك، ومن العلماء من استظهر له بنماذج من كتاب الله، وأن قول يوسف عليه السلام كقول الكفار:{يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}[يس:٥٢] ، أي أن الملائكة تجيبهم إذ قالوا:((مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)) ؟ ((هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)) ، فهنا تحول في الخطاب، وكذلك في قول الله تعالى: قالت ملكة سبأ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[النمل:٣٤] ، فهل قوله:((وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) من قول المرأة، أم إقرار من الله لها؟ فيه وجهان لأهل العلم، ونحو ذلك:{إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}[الشعراء:٣٤-٣٥] ، فقول:((فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)) هل هو من قول فرعون مستمراً في قوله، أم هو قول الملأ من قومه؟ لما قال لهم:((إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ)) ، أجابوه بقولهم:((فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)) ؟ على لهجة من يعظمون الملوك ويخاطبونهم بلفظ الجمع.
فقوله تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف:٥٢] هل هو قول المرأة أو قول يوسف؟ فيه وجهان لأهل العلم: الوجه الأول: أن المرأة تحرص على إرضاء يوسف في غيابه، وتريد كذلك أن تكون وفية أمام يوسف عليه السلام.
والوجه الثاني: أنه من قول يوسف حتى يبرئ ساحته ولا يكون قد خان سيده الذي كان يعمل عنده، وكما تقدم: أن تبرئة الساحات مطلوب خاصة لمن سيتقلد عملاً من الأعمال المهمة التي تهم العموم، والله أعلم.
{وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} ، ولا يوفق الخائن في تدبيره وسعيه، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}[يوسف:٥٣] ، هل هو قول يوسف أو قول المرأة؟ فيه قولان كذلك: فمن العلماء من قال: لما سمع يوسف ذلك قال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} ، ومنهم من قال: إن المرأة ما زالت مستمرة في تخطئة نفسها وإظهار براءة يوسف صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[يوسف:٥٣] ، وهم قليل، وغفور: أي كثير المغفرة رحيم بخلقه، فباب التوبة دوماً مفتوح، فليقبل على الله كل مذنب، وليقلع عن ذنبه، وليقبل إلى الله كل ظالم وليقلع عن ظلمه.