فماذا قال يعقوب عليه الصلاة والسلام؟ {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[يوسف:٦٦] ، يعني: إلا أن تهلكوا عن آخركم، فالإحاطة بالشيء أحياناً يكون من معناها الإهلاك، كما قال تعالى:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}[الكهف:٤٢] ، أي: هلك ثمره.
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ}[يوسف:٦٦] ، أما الموثق فهو العهد المؤكد باليمين، ومن العلماء من قال: إن الموثق العهد المصحوب بإشهاد الله عليه، ومنه قوله تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء:٢١] ، فذكر بعض المفسرين أن الرجل كان يقول للآخر إذا زوجه ابنته أو موليته: عليك عهد الله أن تحسن إليها ولا تسيء، عليك عهد الله أن تمسكها بمعروف أو تسرحها بإحسان، وكما هو معلوم أن الأيمان تتأكد بصور من التأكيد، فأحياناً إذا قلت: أقسم بالله العظيم، وأردت أن تؤكده فإنك تؤكده بتكراره، وقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:{وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}[النحل:٩١] ، قال: توكيدها: تكرريها، وأحياناً يتأكد اليمين بأن يكون بعد صلاة العصر؛ بأن يحبس الذي سيقسم في المسجد بعد أن يصلي صلاة العصر ويقسم اليمين التي تطلب منه، وهذا تأكيد ثانٍ.
وتأكيد ثالث: وهو أن يكون اليمين بعد صلاة العصر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(من حلف على يمين صبر هو فيها كاذب -أي: على يمين قد حبس عليها وهو فيها كاذب- ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) .
قال الله تبارك وتعالى في كتاب الكريم:{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[يوسف:٦٦] ، فلما أعطوه الموثق الذي طلبه منهم:(قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) ، فلهذا ينبغي أن تختم الاتفاقيات التي تبرم بين الأشخاص بهذا، كما قال موسى عليه السلام للعبد الصالح:{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[القصص:٢٨] ، فختمها بقول: والله على ما نقول وكيل.