فقد يقول قائل: مالي أدعو ربي ولا يستجيب دعائي؟! فنقول له: إن الله يقول أولاً: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام:٤١] ، ثم إن أجرك في الدعاء ثابت أُجيبت الدعوة أو لم تستجب، فإذا قلت: يا رب ارزقني، فأجرك ثابت رزقت أو لم ترزق، وذلك إذا استوفيت شروط الإجابة من الطعام الطيب، ومن عدم الدعوة بإثم ولا بقطيعة رحم، إلى آخر ما ورد في شرائط إجابة الدعاء.
فالدعاء عبادة تثاب عليها إذا استوفيت شروطها، ثم إن استجيبت دعوتك فأنت مثاب، وإن لم تستجب فأنت مثاب، شأن ذلك شأن الشفاعة، قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(اشفعوا تؤجروا) ، اشفع، أي: توسط، لكن الشفاعة بالحق هي الشفاعة الحسنة، وليس لك تسلط على المشفع فيه ولا على الشافع، قال عليه الصلاة والسلام:(اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله ما شاء) أي: أنت إذا شفعت أُثبت سواء قبلت منك الشفاعة أو ردت شفاعتك، فأنت مثاب على كل حال، ومسألة قبول الشفاعة أو رد الشفاعة ليست لك ولا للذي تشفع عنده، إنما مردها إلى الله، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:(ويقضي الله ما شاء) .
ولذلك شفع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات، مع أن شفاعته ردت عليه الصلاة والسلام، وذلك كما في قصة مغيث مع بريرة: كان مغيث رجلاً أسود وكان يحب بريرة حباً جماً، فشاء الله أن تعتق بريرة، والسنة في المعتقة أن تخيّر بين البقاء مع زوجها أو الفراق، فاختارت الفراق، فمن شدة حبه لها كان يطوف خلفها في الأسواق يبكي وتبلّ دموعه خده ولحيته، فرآه الرسول على هذه الحال، وكان الرسول يمشي مع عباس، فقال الرسول للعباس:(يا عباس! ألا تعجب من حب مغيث لـ بريرة وبغض بريرة لـ مغيث؟ فقال: يا رسول الله! لو شفعت، فذهب الرسول يشفع، قالت: تأمرني يا رسول الله؟ قال: لا.
إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه) ، فالشاهد: أن أجر الرسول عليه الصلاة والسلام ثابت في شفاعته وقد ردت.
فكذلك في الاستغفار لقوم، لكن أهل النفاق الذين عُلم بنص الكتاب العزيز أنهم أهل نفاق لا يستغفر لهم، كذلك أهل الشرك لا يستغفر لهم، وقد تأثم إذا استغفرت لأهل الشرك؛ لأن الله يقول:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى}[التوبة:١١٣] .
فالدعاء يثاب عليه الداعي حصلت الاستجابة أو أُجلت، فإذا دعوت الله وقلت: يا رب ارزقني، يا رب احفظني، يا رب أكرمني، فأنت مثاب أُجيبت الدعوات إجابات عاجلة، أم اُُدخرت، أم صرف عنك من السوء شيء كان سينزل بك.
قال الله سبحانه:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[المنافقون:٦] .