{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}[الإنسان:٣] : الهداية هنا هداية الدلالة، وليست هداية التوفيق، فالهداية هدايتان: هداية دلالة ومنها: (هذا هادٍ يهديني السبيل) أي: يدلني على الطريق، ولكن قوله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:٥٦] أي: لا توفق من أحببت، فالهداية هدايتان: هداية دلالة يملكها البشر بإذن الله، وهداية التوفيق لا يملكها إلا الله سبحانه.
إذا علمت ذلك اندفعت عنك الإشكالات الواردة في الجمع بين الآيات كقوله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:٥٦] وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢] ، فقوله:(إِنَّكَ لَتَهْدِي) أي: لتدل، و (إِنَّكَ لا تَهْدِي) أي: لا توفق.
قال تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أي: بينا له الطريق، وأوضحنا له طريق الخير وطريق الشر كذلك، كما قال سبحانه في آية أخرى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:١٠] أي: بينا له طريق الخير، وبينا له طريق الشر، فكان حال الناس لما بينا لهم الطريق، أن منهم شاكراً ومنهم كافراً، {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان:٣] فالمعنى: إنا بينا للإنسان الطريقين: طريق الخير وطريق الشر، فآل أمر الناس إلى قسمين: منهم الشاكر، ومنهم الكافر، أي: منهم من سلك طريق الخير شاكراً لنعمة الله عليه في البيان، ومنهم من سلك طريق الشر كافراً بنعمة الله عليه في هذا البيان.