قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} ، أي: بين الزوجين.
{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ، فإذا رأى الحكمان أن يفرقا بينهما فرقا، حتى وإن أبى الزوج وإن أبت الزوجة ما اختاره الحكمان المرسلان من قبل القاضي من أن يفرقا بين الزوجين، أو أن يوفقا بينهما ألزما به، وقد أرسل أمير المؤمنين عثمان معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عباس للإصلاح بين زوجين من قريش أحدهما من أقارب معاوية والآخر من أقارب ابن عباس، ففي طريقهما إلى البيت قال ابن عباس:(لأفرقن بينهما) ، وكان الرجل من أولاد عقيل بن أبي طالب، وكانت المرأة بنت شيبة بن ربيعة، فكانت تفتخر على زوجها أحياناً وتقول مفتخرة بآبائها:(أين الطوال الذين رقابهم كأباريق الفضة ترد أنوفهم قبل أفواههم؟) يعني: تصف أهلها بالشهامة والجمال، فيقول لها ابن أبي طالب:(هما عن يسارك في النار) ، فأرسل إليهما عثمان معاوية وابن عباس بعد أن اشتد الخلاف بينهما، فقال ابن عباس:(لأفرقن بينهما) فقال معاوية: (ما كنت لأفرق بين شيخين من قريش) ، ففي طريقهما إليهما تصالح الزوج والزوجة وأغلقا الأبواب في وجه عبد الله بن عباس ومعاوية واصطلحا فيما بينهما.
الشاهد: أن الحكمان لهما أن يفرقا ولهما أن يجمعا إن اتفقا على رأي، ويلزمهما أن يصلحا نياتهما، فالله يقول:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:٣٥] فقوله: (إن يريدا) ترجع إلى من؟ قال بعض العلماء: ترجع إلى الحكمين.
ومن أهل العلم من قال: ترجع إلى الزوجين، وليس هناك قرينة قوية توضح من المراد، ولقائل أن يقول: إنها تعم، فإذا أراد الزوج والزوجة الإصلاح وفق الله بينهما، وإن أراد الحكمان الإصلاح أكرمهما الله بأن يصلحا ذات بين الزوجين.