يقول الله سبحانه وتعالى:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الواقعة:١] : قال بعض أهل العلم: إن المراد: إذا قامت القيامة.
وقال آخرون قولاً قريباً من هذا القول إن لم يكن هو نفسه: إن المراد بالواقعة: النفخة.
فالقولان متلازمان.
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:٢] للعلماء فيها أقوال: أحدها: ليس لوقوعها نفس تكذب هذا الوقوع إذا وقعت، أي: إذا وقعت الواقعة لم يعد هناك منكر ينكر وقوعها، بل الكل أيقن بهذا الوقوع، فليس عند وقعتها نفس مكذبة لهذا الوقوع، فقد انتفت عنهم الشكوك، وزالت عنهم الريب، وأيقن الجميع بوقوع الواقعة.
القول آخر: إن المراد بقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:٢] كالمراد بقوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}[المعارج:١-٢] أي: ليس له من يدفعه، فكذلك ليس هناك من يدفع وقوع هذه الواقعة، وثم أقوال أخر.
{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}[الواقعة:٣] ، خافضة لأقوام قد ارتفعوا في الدنيا، ورافعة لأقوام قد انخفضوا في هذه الحياة الدنيا، والواقعة لا تخفض ولا ترفع، إنما الذي يخفض ويرفع هو الله سبحانه وتعالى، فهذا مفهوم من السياق، ومفهوم لكل مسلم، لكن لما كان هذا الخفض والرفع يحدث يوم القيامة فنسب إليها، والله يقول:{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}[الواقعة:٣] ، فكم من رجل مرتفع في هذه الحياة الدنيا يذل ويهان في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأخفافهم) ، فكم من ملك وكم من أمير وكم من رئيس وكم من وزير قد ارتفع في هذه الحياة الدنيا يحشر يوم القيامة كأمثال الذر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكم من طغى عليه بالمال في دنياه يحشر يوم القيامة فقيراً وكم من مكسو في هذه الحياة الدنيا يحشر يوم القيامة عارياً! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه:(لا إله إلا الله من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة!) ، أي: كم من نفس مكسوة ومستورة في هذه الحياة الدنيا تتعرى يوم القيامة وتفضح! لخلوها من الثواب، ولخلوها من العمل الصالح، فالآخرة فيها خفض لأقوام ورفع لآخرين، فيحشر هذا المؤذن الذي يزدريه الناس ويحتقرونه أطول الناس عنقاً يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) .
قال الله سبحانه وتعالى:{إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا}[الواقعة:٤] ، والرج هو: الهز الشديد، فرجت الأرض رجاً، أي: حركت تحريكاً شديداً، وهزت هزاً شديداً، {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}[الواقعة:٥] ، أي: فتتت الجبال تفتيتاً، كما قال الله سبحانه:{يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}[المزمل:١٤] ، وكما قال سبحانه:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}[طه:١٠٥-١٠٧] ، فقوله تعالى:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}[الواقعة:٥] أي: فتتت الجبال تفتيتاً، هذه الجبال الصلبة الجامدة تدمر وتفتت تفتيتاً من شدة الأهوال.
{فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}[الواقعة:٦](الهباء) قال بعض أهل العلم هو: التراب، وقال آخرون: هو الغبار، وقال غيرهم: هو هذا الغبار المتطاير الذي يرى في شعاع الشمس كالذرات.