قال الله:{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء:٧٧] ، وهذا المتاع القليل يتمثل في الحياة الدنيا وفي عمر الشخص فيها، فالشخص عمره قليل في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يتجاوز ذلك) ، وقد قرأ الخليفة المأمون رحمه الله، أو سمع من يقرأ قوله تعالى:{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم:٨٤] ، فقال لـ ابن السماك وهو بجواره: عظني يا ابن السماك! فقرأ عليه قوله تعالى: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}[مريم:٨٤] ، وحمل العد على عدد الأنفاس، وقال: يا أمير المؤمنين! إذا كانت الأنفاس تعد، وليس لها مدد، فمكتوبٌ لك -يا أمير المؤمنين- أن تتنفس مثلاً مائة ألف نفس، وكل يومٍ يمضي عليك تقطع منها شوطاً، ويعد الله أنفاسك عدّاً فيوشك أن الأنفاس تنفد، ويوشك الأجل أن ينقضي! قال الله تعالى:{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء:٧٧] ، ولا يقال: إن الآخرة خيرٌ على الإطلاق، بل الآخرة خيرٌ لمن اتقى! {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[النساء:٧٧] ، أي: لا تظلمون قدر الفتيل، وهو: الخيط الرفيع الذي بين فلقتي النواة.
قال الله:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء:٧٨] ، هذه الآية كقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥] ، وكقوله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة:(إنه قد نزل بأبيك -يا بنيّة- ما الله بتارك منه أحداً) ، وكما قال القائل: الموت كأسٌ وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله.