للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (سنسمه على الخرطوم)]

{سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:١٦] الوسم: هو العلامة، ومنه قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:٢٩] أي: علامات الصلاة وآثار الخشوع في وجوههم من أثر السجود، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد:٣٠] فالسيما هي العلامة، (سَنَسِمُهُ) أي سنعلمه بعلامة (عَلَى الْخُرْطُومِ) أي: على الأنف، الذي هو رمز للأنفة والكبر، فالمتكبر يرفع أنفه متعالياًَ، فهذا الأنف المرتفع سيعلَّم بعلامة سوداء، وهذا يوم القيامة، إذ في ذلك اليوم يأتي الناس بعلامات تميزهم، والمستكبر علامته أنه يأتي يوم القيامة وعلى أنفه سواد والعياذ بالله.

وأهل الغدر -كما أسلفنا- يأتون ولهم ألوية عند أستاههم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه يقال: هذه غدرة فلان بن فلان) والمتكبرون يحشرون أمثال الذر، ومانعوا الزكاة يأتون والحيات تطوّق رقابهم، هذه أوصاف ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها في كتاب الله {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:١٨٠] فهذا المتكبر علامته يوم القيامة أنه يأتي موسوماً أي معلماً على أنفه بعلامة.

ومن العلماء من قال: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:١٦] وإن حملت معنى العلامة على الأنف؛ لكن المراد بها تسويد الوجه كله، وتسويد الوجه كله مأخوذ من آيات أخر {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦] لكن مع كون وجهه يكون أسود فمع هذا السواد يعلم بعلامة أيضاً على الأنف {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:١٦] .