للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من الأمم]

قال الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء:٤١] يشهد على هذه الأمة.

{وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١] ، وعند هذه الآية بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تذكر أنه سيأتي شهيداً على أمته الذين يكذبونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قال: أأقرأ عليك وعليك أنزل يا رسول الله؟) وفيه دليل: على أن الفاضل قد يستمع من المفضول، (فقرأ ابن مسعود من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤١-٤٢] فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وذرفت عيناه، وقال لـ ابن مسعود: حسبك) ، وهنا أخذ بعض العلماء: أن توقيف القارئ يكون بقولنا له: حسبك، كما قال الرسول لـ ابن مسعود، أما إتباع كل قراءة بصدق الله العظيم فليس هذا بلازم، بل ليس بوارد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن كان الله هو أصدق القائلين ولا يشك في ذلك إلا كافر، لكن اتباع الهدي خير للعبد وأقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

قال الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١] ، فيشهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته شهادات خاصة أحياناً وشهادات عامة أحياناً أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ذهب إلى قتلى أحد فصلى عليهم كالمودع لهم وقال: (اللهم إني شهيد عليهم) .

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعراب فأسلم واتبعه، وجاهد معه، وأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم قسطاً من المغانم، فرد الرجل المغانم إلى رسول الله وقال: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا قسمك ونصيبك من المغانم، قال: والله يا رسول الله ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أقاتل معك فيأتيني سهم فيدخل من هاهنا -وأشار إلى رقبته- ويخرج من هاهنا فأدخل الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يصدق الله يصدقه، فخرج إلى القتال فأصيب بسهم في الموضع الذي أشار إليه بإصبعه وخرج من الجانب الذي أشار إليه، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق الله فصدقه الله سبحانه وتعالى، ثم دفنه وقال: هذا عبدك خرج مجاهداً في سبيلك، اللهم إني شهيد عليه) .

وكما أن هناك شهادات خاصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه، فهناك شهادات منه عليه الصلاة والسلام لعموم أمته، فيشهد لعموم الأمة بأنهم شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فيأتونه غراً محجلين من آثار الوضوء، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب: (يا عمي! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله) وفي رواية: (أشهد لك بها عند الله عز وجل) فلم يقل هذا أبو طالب ومات على الكفر بعد أن قال: هو على ملة عبد المطلب، فالرسول يكون شهيداً على أمته، وكل نبي يشهد على أمته، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تصدق النبيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله سبحانه وتعالى لنوح يوم القيامة: يانوح! هل بلغت؟ يقول: نعم يارب، فيقول الله لقومه: هل جاءكم من ندير؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول لنوح: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول: محمد وأمته، فتقوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد لنوح بأنه قد بلغ قومه) تصديقاً لكتاب الله وتصديقاً لما أخبر نبي الله، وفي هذا يقول تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣] .

ثم قال الله تعالى يصف عصاة الرسل عليهم الصلاة والسلام: ((يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)) [النساء:٤٢] .