للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم لعن العصاة والكفار إجمالاً

هنا يأتي سؤال آخر: ما حكم اللعن على وجه الإجمال؟ ف

الجواب

اللعن على وجه الإجمال جائز، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لعن الله النامصة والمتنمصة، لعن الله الواصلة والمستوصلة، لعن الله المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله) ، وغيره من الأحاديث العامة في اللعن وكقول: (لعنة الله على الظالمين) ، إلى غير ذلك على التعميم فهو جائز، لكن الإكثار من ذكر فلان وفلان وتناولهم باللعن بأعيانهم هو إلى الكراهية أقرب، والله تعالى أعلم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء) ، وهذا يحدو بنا إلى أن نذكر ما ذكره العلماء بشأن اللعن، فمن العلماء من قسم اللعن إلى أقسام، قال: لعنٌ بالنسبة للكفار جملةً، ولعنٌ بالنسبة للكافر المعين، ولعنٌ بالنسبة للفساق جملةً، ولعنٌ بالنسبة للفساق المعينين أي: ذكرهم بالاسم، ولعنٌ للمؤمن.

أما المؤمن فلعنه كقتله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ثابت بن الضحاك: (ولعن المؤمن كقتله) .

وبالنسبة للفاسق المعين: لا يُلعن؛ لما سمعتموه من قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨] ، وهذا يطّرد أيضاً في لعن الكافر المعين عند فريق من العلماء.

أما الفساق جملةً فالراجح في شأنهم أنه يجوز لعنهم إن احتيج إلى ذلك، فالنامصة فاسقة لكن لا تلعن بعينها، بل تقول: (لعن الله النامصة، لعن الله المتنمصة) ، لكن لا تقل (لعن الله فلانة بعينها) ، فلا يشرع لك ذلك، وقد تقدم أن تنزيل الأحكام على الأشخاص بأعيانهم يحتاج إلى تريث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الخمر وشاربها.

إلى أن عد فيها عشرة أصناف) ، لكن لما جاء رجلٌ وهو شارب للخمر، قال بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم) ، وفي رواية: (إنه -ما علمت- يحب الله ورسوله) ، أي: أن هذا الشخص يحب الله ورسوله ولكن شهوته تغلبه.

إذاً: يتحفظ من تنزيل اللعن على الأشخاص المعينين، والله تعالى أعلم.

فعلى ذلك: فإخواننا الخطباء ينبغي أن يكون ديدنهم على المنابر الإكثار من ذكر الله والتخويف بالنار والترغيب بالجنة، فهذا هدى رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو ما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأذكر في هذه البلدة -المنصورة- أيام حكم السادات في مصر كان بعض إخواننا يطلع على المنبر يخطب الجمعة ويتناول زوجة السادات بالاسم ويقول: فلانة فعلت كذا وكذا وكذا مع فلان الفلاني ويحكي حكايات على المنبر، ويظن أنه جريء وهو جاهل بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلامي هذا ليس دفاعاً عن السادات ولا عن زوجة السادات، إنما دفاعاً عن حوزة الدين فلابد أن تحفظ وهذا هو المطلوب شرعاً من كل مسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وليس لنا دخل بالسادات ولا بزوجة السادات من ناحية الثناء والمدح ولا من ناحية السب، لكن نقول: إنه لا ينبغي أن نستخدم المنابر لمثل هذه الأغراض، ومن أراد أن يفعل ذلك فليأتنا بدليل من سنة رسول الله أو دليل من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نمتثل، علماً أنه لم يسلك هذا المسلك إلا طائفة من أمراء السوء الذين كانوا ينالون من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.