تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ.)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} [الممتحنة:١٢] ، هذه هي البيعة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع بها النساء، يبايعهن على ما ذكر الله في كتابه، دون أن تمس يد امرأة منهن يد رسول الله، روت أميمة بنت رقيقة قصة البيعة وفيها: (ألا تصافحنا يا رسول الله؟! قال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة) ، وفي الصحيح عن عائشة: (والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط) .
فبايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على هذه الأمور المذكورة في كتاب الله: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ} [الممتحنة:١٢] ، الشرك بالله معروف، والسرقة معروفة {وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة:١٢] ، وهذا الذي قد يكون غامضاً بعض الشيء.
فمن العلماء من فسر البهتان الذي تأتيه المرأة من بين يديها ومن بين رجلها: الولد الذي تنسبه إلى زوجها وهو ليس له بابن، يعني: امرأة تزني، ثم تقول لزوجها: هذا ولدك، هذا بهتان تأتي به من بين رجليها، أو تلتقط ولداً بيديها من الطريق وتقول لزوجها: هذا ولدك.
إذاً: البهتان المفترى بين الأرجل هو الذي ارتكبت فيه المرأة جريمة الزنا، وأتت بولد من الزنا فتلحقه بالزوج، والبهتان المأتي من بين الأيدي هو الملتقط الذي تلحقه الزوجة بزوجها، فكانت المرأة تلتقط ولداً من الطريق إذا خشيت مثلاً أن يطلقها الزوج لعدم الإنجاب وتقول له إذا سافر ورجع: هذا ولدك.
ومن العلماء من قال: البهتان المأتي من بين الأيدي والأرجل هو السحر.
ومنهم من قال: إنه النميمة، لكن على الأول جمهور المفسرين.
{وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:١٢] ، نص عام في جواز أخذ البيعة من النساء، على عدم العصيان في أي معروف يأمر به الشخص.
وهناك أمور أُخر لم تذكر في كتاب الله وذكرت في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالت أم عطية: (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح، فما وفت منا امرأة إلا خمس نسوة فقط) ، وفي هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يمد يده لبيعتهن، ولم يصافح أحداً منهن عليه الصلاة والسلام، وقال: (إني لا أصافح النساء) ، وفي الحديث الآخر أنها قالت: (يا رسول الله! إن فلانة أسعدتني) أي: أريد أن أذهب فأنوح معها أيضاً، يعني: واحدة كانت تنوح معي عند وفاة زوجي أو عند وفاة ابني فأريد أن أذهب فأقضي لها أو أفعل لها، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليها، فقالت: أم عطية: (أخذ علينا رسول الله عند البيعة ألا ننوح، فما وفت منا إلا خمس نسوة) ، فتخيل من المبايع؟! الرسول يبايع النساء، ومع ذلك كلهن نقضن البيعة ولا وفى منهن بالبيعة للرسول إلا خمس نسوة فقط، فهذا يدل على قلة التزام النساء بالعهود والمواثيق.
أيضاً تقدم أن الرسول أسر إلى عائشة وحفصة وقال: (لا تخبري بهذا السر أحداً) ، فهي توافق وتقول: لن أخبر أحداً، فإذا هي تخبر بالسر الذي كان بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم! فالشاهد: أن تعرف كيف تتعامل مع النساء في هذه الأمور، فالتثريب والتعيير يكون عليهن أقل.
وأوردوا قصة هند في هذا الباب في بيعتها للرسول عليه الصلاة والسلام عندما أخذ عليها البيعة وقال: {وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة:١٢] ، فقالت: وهل تزني الحرة يا رسول الله؟! ثم قال: {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الممتحنة:١٢] قالت: قد ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً، تعني: قتلى بدر وما بعدها من المشركين، وفي هذا السند نوع من الضعف، لا نسترسل في إيراده من أجل هذا.
قال الله: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة:١٢] .