ولسلامة الشخص من شر الحساد جملة أمور: منها: تقوى الله، والتوكل عليه، فالله يقول:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣] ومنها قول: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣] ومنها: حفظ الله عز وجل، وحفظ حدود الله، وفي الحديث:(احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) .
ومنها: إخفاء النعمة عمن يظن أنه يحسد، فإذا رأيت شخصاً يتمنى لك زوال النعمة، فأخف هذه النعمة عنه ولا تحدثه بها، وأصل ذلك في كتاب الله في قول يعقوب صلى الله عليه وسلم ليوسف:{يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يوسف:٥] .
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى فقيل له: يا حسن! أيحسد المؤمن؟ أي: هل هناك مؤمن يحسد؟ فقال سبحان الله! ما أنساك لإخوة يوسف {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يوسف:٨] ، فالمؤمن قد يحسد أيضاً.
وعامر بن ربيعة كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهم بأنه هو الذي أصاب سهل بن حنيف، كما ذكرنا في الحديث السابق، فإخفاء النعمة عن الحاسد سبب من أسباب الحفاظ على النفس من شر هذا الحاسد، بدليل قوله تعالى:(يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فلا يحدث بها إلا من يحب) ؛ لأنه كما العلماء: لكل نعمة حاسد على قدرها، فإذا قصصت على شخص يبغضك رؤيا طيبة فسيعبرها لك بتعبير مؤذ ويكون سبباً في إيذائك، وإتلاف الرؤيا عليك، والله أعلم.
ومنها: الإحسان إلى الحاسد، فإن الله يقول:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:٣٤] ، ولذلك قال العلماء: لو كنت غنياً من الأغنياء وبجوارك رجل فقير جار لك، وهذا الجار يراك كل يوم يراك تدخل على أهلك وبنيك أصناف الطعام والشراب، وأولاده ينظرون إليك وأنت تدخل، وينتظرون أن تعطيهم شيئاً من الذي دخلت به، فلم تعطهم؛ فيدخلون على أبيهم ويطلبون منه شيئاً من المال لشراء ذلك فلا يجد؛ فحينئذ يتمنى هذا الرجل لك الفقر بأن تزول نعمة الله عنك حتى لا يؤذى هو في بيته، لكن إذا أكرمت الأولاد وأعطيتهم شيئاً مما تحمل، ودخلوا على أبيهم بهذا الشيء؛ دعا أبوهم لك بالبركة، فتحول الحاسد إلى داع لك، وبعد أن كان يتمنى زوال النعمة عنك إذا به يسأل الله لك الزيادة من هذه النعمة، فالإحسان إلى الحاسد سبب من أسباب اتقاء شره.
ومنها: التعوذ بالله منه، والتحصن بالمعوذات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: عدم الاشتغال بالحاسد، وعدم التفكير فيه، فلا تفكر كثيراً فيه، ولا تبال به، ولا تهتم به، بل اعتصم بالله، فالله حسبك، وهو كافيك سبحانه وتعالى.
والحاسد إذا أراد أن يتخلص من الحسد فعليه أن يتذكر أنه معترض على أقدار الله، فالله هو الذي يقسم الأرزاق وكون الحاسد يتمنى زوال النعمة عنك فهو يعترض على أقدار الله، والحاسد متشبه بالشيطان، فالشيطان يتمنى زوال النعمة عن المؤمنين، والحاسد كذلك، فهو من جند إبليس والعياذ بالله، وكذلك هو متشبه بالكافرين إذ إن أهل الكفر يتمنون زوال النعمة عن أهل الإسلام، والحاسد قد شاركهم في هذا، والله سبحانه أعلم.