للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أو كظلمات في بحر لجي.]

قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:٤٠] طائفة أخرى من الكفار أعمالهم وحالهم كظلمات في بحر لجي، واللجي هو العميق الذي لا يدرى أين قعره، {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ} [النور:٤٠] أي: يعلوه ويغطيه، كما قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] ، وكما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف:١٨٩] ، وكما قال تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:١٦] .

وقوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} [النور:٤٠] فالبحر في نفسه عميق، والعمق يسبب ظلمة، والموج يسبب ظلمة أخرى، والموج الذي فوقه يسبب ظلمة ثالثة، والسحاب يسبب ظلمة هو الآخر، فهي ظلمات متراكبة، فالكافر عمله ظلمة، مدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، وقوله ظلمة، ومصيره والعياذ بالله! إلى الظلمات، كما قال كثير من أهل التفسير: اجتمعت عليه خمس ظلمات: عمله ظلمة، فكلام الكافر كلام بجهل كلام مظلم، وفعله فعل مظلم، ومدخله مدخل مظلم، ومخرجه مخرج مظلم، ومصيره إلى الظلمات، تلاحقه الظلمات في القبور، تلاحقه الظلمات عند الصراط، تلاحقه الظلمات في جهنم والعياذ بالله! فهذا حال الكافر، كافر جاهل كل أفعاله ظلمات، لا يدري أين يذهب!! ولا يدري أين يُذهب به!! ويلتحق به المنافق، الذي يؤتى به في قبره ويُسأل: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري! سمعت الناس يقولون قولاً فقلت مثل قولهم، فرب العزة يقول في هذه الآيات: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] (يغشاه) أي: يعلوه موج، (لم يكد يراها) من شدة الظلام، أي: من لم يرد الله له الهداية فأنى تأتيه الهداية؟! وأنى يهتدي؟! {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] فانتظمت الآيات فريقين: الفريق الأول: كفار على علم وعلى عناد، كاليهود علموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقرءوا التوراة، والنصارى قرءوا الإنجيل وكفروا بالله على علم، واجتهدوا في حرب دين الله على علم وعن عمد، ويلتحق بهم أيضاً كفار علموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجحدوها، كما قال الله فيهم: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣] .

الفريق الثاني: كفار مقلدون جاهلون.