تفسير قوله تعالى:(ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم.)
ثم قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[المجادلة:١٤] ، القوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود، والقوم الذين تولوهم هم المنافقون، فالمنافقون تولوا اليهود، وصادقوهم، وناصروهم، وواعدوهم بالنصرة، فالآية في شأن المنافقين، ألم تر إلى هؤلاء المنافقين الذين تولوا وناصروا وآزروا قوماً غضب الله عليهم وهم اليهود؟ وقد وسم اليهود بأنهم مغضوب عليهم في عدة آيات، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:( {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٧] قال: المغضوب عليهم هم اليهود) ، وكذلك قال الله سبحانه:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[المائدة:٦٠] ، وهؤلاء اليهود؛ لأن الله عز وجل مسخ اليهود إلى قردة وخنازير، فالمغضوب عليهم هم اليهود، فلماذا خصوا بغضب الله عليهم، مع أن أهل الكفر كذلك مغضوب عليهم، والنصارى كذلك مغضوب عليهم؟ لماذا وصفوا ووسموا بهذه السمة والوصف؟ قال كثير من أهل العلم: لأنهم كفروا وجحدوا نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم على علم.
وهذا التعليل أيضاً ورد في الملاعنة، لماذا قال الله سبحانه وتعالى في آيات الملاعنة في شأن الرجل:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النور:٧] ، وقال في شأن المرأة:{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[النور:٩] ؟ فلماذا المرأة خاصة اختصت بغضب الله عليها إن كانت كاذبة؟ لأن الرجل لا يكون متيقناً اليقين التام في زنا امرأته كالمرأة، فقد يرى الرجل رجلاً يفاخذ امرأته ويظن أنها زنت، فلا تكن قد زنت، لكن هي تعلم يقيناً الذي حدث، وقد ينفي الرجل الولد عن نفسه؛ لظنون ظنها، ويقول: هذا الولد ليس ولدي، أنا تزوجت ووضعت زوجتي بعد ستة أشهر، وينفي الولد عن نفسه، ويلاعن من أجل ذلك، لكن المرأة تعلم يقيناً ممن هذا الولد؛ فلذلك إذا أنكرت المرأة وأقسمت ستقسم على علم، فمن ثم حل عليها غضب الله إذا أقسمت اليمين الخامسة وهي كاذبة؛ لكونها متيقنة تماماً بالذي حدث.