للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)]

- يقول الله سبحانه وتعالى: (تَبَّتْ) أي: هلكت أو قطعت.

قال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] ، لماذا كرر (تَبَّتْ) (وَتَبَّ) ؟

الجواب

من العلماء من قال: إن التكرير للتأكيد، وهو يأتي كثيراً جداً، كما في قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:١٥] وكررت هذه الآية مراراً في السورة.

وكما في قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:٣-٤] .

وكما في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:٥-٦] .

وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن آل أبي جهل استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، وإني لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن) ، فهذا التكرير للتأكيد.

وكقول الشاعر: يا علقمة يا علقمة يا علقمة خير تميم كلها وأكرمه وقوله: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع وكل هذه للتأكيد.

فمن العلماء من قال: إن قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] تأكيد لهلاك أبي لهب.

ومن العلماء من قال: هلكت يداه وقد هلك.

وقوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] ، لماذا عُبِّر باليد دون غيرها من الجوارح؟ قال فريق من العلماء: لأن اليد هي التي تسعى بالأعمال؛ أعمال الخير أو أعمال الشر، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الحج:١٠] أي: ذلك بما عملت، فلأن أغلب الأعمال تكون باليد؛ سواء كانت أعمال خير أو أعمال شر، فوُصفت اليد بالهلاك؛ لأنها هي صاحبة الأعمال.

ولا يُعترض على هذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ على وجوههم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم؟!) لأن المراد هنا أعمال الألسُن؛ لكن الأغلب يكون باليد.

وقوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] كان أبو لهب يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصور كثيرة من الأذى، فكانت الوفود تأتي إلى مكة وإلى أسواقها يسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما جاء به، وأبو لهب يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم يضربه بالحجارة والطوب من خلفه حتى يُدمي رجليه، ويقول: أيها الناس! هذا هو ابن أخي وأنا أعرَف الناس به، إنه كذاب، يكذب على الله.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لقريش: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) ، وأبو لهب يتبع رسول الله، ويقول: هذا ابن أخي وهو كذاب ويكذب على الله، وأنا أعرَف الناس به.

فكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذىً شديداً.

وفي الحقيقة: أن الأذى بالتكذيب أشد من الأذى بالضرب.

ولذلك لما سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (يا رسول الله! هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: نعم يا عائشة، لقد لقيت من قومك ما لاقيت، وكان أشدها علي يوم أن عرضت نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال فردني وكذبني) ، فكان هذا من عبد ياليل بن عبد كلال لرسول الله أشد من الذي لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

يقول الله سبحانه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] أي: هلكت يداه وقد هلك، أو هلك وهلك للتأكيد.