هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير".
* * *
وقد كشف ابن رجب في مواطن كثيرة عن السرِّ في انفراد البخاري بهذا الحديث أو ذاك، أو انفراد مسلم برواية حديث آخر دون البخاري.
ففي الحديث السادس عشر المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أَوْصِني. قَالَ: "لا تَغْضَبْ" فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: "لا تَغْضَبْ".
قال النووي: رواه البخاري.
وقال ابن رجب: هذا الحديث خرجه البخاري من طريق أبي الحصين الأسدي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة .. ثم قال:
ولم يخرجه مسلم؛ لأن الأعمش رواه عن أبي صالح. واختلف عليه في إسناده .. إلخ وفي الحديث السابع عشر، المروي عن شداد بن أوس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الله كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كلِّ شيء؛ فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ".
قال النووي: "رواه مسلم".
وقال ابن رجب: "هذا الحديث خرجه مسلم دون البخاري من رواية أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس".
وتركه البخاري؛ لأنه لم يخرج في صحيحه لأبي الأشعث شيئًا.
* * *
وقد أبان ابن رجب عن علة ضعف بعض الروايات التي يتابع بها الحديث الأصلي كالرواية التي ذكرها عن سفيان بن عيينة: أن حديث "أمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلَّا الله … " كان في أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة.
فقد قال ابن رجب: هذا ضعيف جدًّا، وفي صحته عن سفيان نظر؛ فإن رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وبعضهم تأخر إسلامه.
ثم قوله: "عَصَمُوا مِنِّي دمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ" يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورًا