للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[[والحاصل]]

• وحاصل كلامهم يدل على أن اجتناب المحرمات وإن قلَّت فهي أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات؛ فإن ذلك فرضٌ وهذا نفل.

* * *

وقال طائفةٌ من المتأخرين: إنما قال - صلى الله عليه وسلم - "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" لأن الامتثال للأمر لا يحصل إلا بعمل، والعمل يتوقف وجوده على شروط وأسباب، وبعضها قد لا يستطاع؛ فلذلك قيده بالاستطاعة، كما قيد الله الأمر بالتقوى بالاستطاعة؛ قال الله عز وجل:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (١).

وقال في الحج:

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (٢).

وأما النهي فالمطلوب عدمه وذلك هو الأصل، فالمقصود استمرار العدم الأصلي وذلك ممكن، وليس فيه ما لا يستطاع، وهذا أيضًا فيه نظر؛ فإن الداعي إلى فعل المعاصي قد يكون قويا لا صبر معه للعبد على الامتناع عن فعل المعصية مع القدرة عليها فيحتاج الكف (٣) عنها حينئذ إلى مجاهدة شديدة، وربما كانت أشقَّ على النفوس من مجرد مجاهدة النفس على فعل الطاعات، ولهذا يوجد كثيرًا من يجتهد في فعل الطاعات، ولا يقوى على ترك المحرمات.

وقد سئل عمر عن قوم يشتهون المعصية، ولا يعملون بها فقال: "أولئك قوم امتحَن الله قلوبَهُم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم".

* * *

• وقال يزيد بن ميسرةَ: "يقول الله في بعض الكتب: أيها الشباب التارك لشهوته، المتبذل في شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي".

وقال: "ما أشد الشهوة في الجسد! إنها مثل حريق النار، وكيف ينجو منها


(١) سورة التغابن: ١٦.
(٢) سورة آل عمران: ٩٧.
(٣) م: "للكف".

<<  <  ج: ص:  >  >>