للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[الدرجة الثانية]]

درجة السابقين المقرّبين، وهم الذين تقرَّبُوا إلى الله بَعْدَ الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع؛ وذلك يوجب للعبد محبّة الله كما قال: "ولا يزال عبدي يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حَتَّى أَحبه".

فمن أحبه الله رزقَه محبَّتَه وطاعتَه والاشتغالَ بذكره وخدمته؛ فأوجَبَ له ذلك القربَ منه، والزلفى لديه، وَالْحُظْوَةَ عنده، كما قال الله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (١).

ففي هذه الآية إشارة إلى أن مَنْ أعرض عن حُبِّنا، وتولَّى عن قُرْبِنَا لم نُبال به واستَبْدَلْنَا به مَنْ هُوَ أولى بهذه المنحة منه وأحق.

فَمَنْ أَعْرَضَ عن الله؛ فماله عن الله بدل، ولله منه أبدال:

ما لِيَ شُغْلٌ سِوَاهُ مالي شُغْل … ما يصرفُ عن هَوَاه قَلْبِيَ عَذْلُ

مَا أَصْنَعُ إن جَفَا وخَابَ الأمَلُ … مِنِّي بَدَلٌ ومنه (٢) مالي بدَلُ

• وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: "ابن آدم! اطلُبني تجدْني، فإنْ وجَدتني وجَدْتَ كُلَّ شَيءٍ؛ وإنْ فُتُّك فاتك كُلُّ شَيءٍ؛ وأنا أحَبُّ إليكَ مِن كَلِّ شيء".

وكان ذو النون يردّد هذه الأبيات بالليل كثيرًا:

اطلبُوا لأنفُسكُم … مثلَ ما وجدتُ أنا

قَدْ وجَدْتُ لي سكنًا … ليس في هواهُ عنَا

إن بَعُدْتُ قرَّبني … وإن قرُبْتُ منْه دَنا

من فاته الله؛ فَلَوْ حصلت له الجنة بحذافيرها لكانَ مغبونًا، فكيفَ إذا لم يَحْصُل له إلا نَزْرٌ يسير حقير (٣) من دارٍ كلُّها لا تعدل جَناحَ بعوضة؟ ولذا قيل:


وقال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى [و] حديث أبي سعيد حديث حسن غريب، لا نعرفه؛ إلا من هذا الوجه.
(١) سورة المائدة: ٥٤.
(٢) م: "وما لي منه بدل".
(٣) م: "إلا نزر حقير يسير".

<<  <  ج: ص:  >  >>