للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروي أن أبيّ بن كعب قال له: "إن هذا لم يكن" فقال عمر: "قد علمت ولكنه حسن".

[[من أصول الاستحسان]]

ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصل من الشريعة يرجع إليها (١).

فمنها أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - كان يحثُّ على قيام رمضان ويرغّب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في السجد جماعاتٍ متفرقة وَوُحدانًا، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلّى بأصحابه في رمضان


= الخطاب رضي اللّه عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
قال ابن حجر: قال ابن التين وغيره: استنبط عمر ذلك من تقرير النبي - صلى اللّه عليه وسلم - من صلى معه في تلك اليالي، وإن كان كره لهم ذلك، فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم، وكأن هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث عائشة عقب حديث عمر فلما مات النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حصل الأمن من ذلك، ورجح عند عمر ذلك لا في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين.
وإلى قول عمر جنح الجمهور.
(١) قال ابن حجر في الفتح ٤/ ٢٠٤: والبدعة أَصْلُها ما أَحدث عن غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأقسام الخمسة.
هذا ولم يقع في هذه الرواية - كما ذكر ابن حجر - عدد الركعات التي كان يصلي بها أبي بن كعب، وقد اختلف في ذلك ففي الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة ركعة ورواه سعيد بن منصور من وجه آخر، وزاد فيه: وكانوا يقرءون بالمائتين على العصى من طول القيام، ورواه محمد بن نصر المروزي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال: ثلاث عشرة.
ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال: إحدى وعشرين.
وروى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عشرين ركعة وهذا محمول على غير الوتر.
وعن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين.
وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال: أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر.
والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال.
ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث تطول القراءة تقل الركعات وبالعكس.
والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر، وكأنه كان تارة يوتر بواحدة، وتارة بثلاث. إلخ.
وحديث السائب بن يزيد، ويزيد بن رومان في الموطأ في الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>