وأما الإمام أحمد رحمه الله فإنه رخص فيما فعلوه من المنافع العامة كالمساجد والقناطر والمصانع؛ فإن هذه ينفق عليها من مال الفيء اللهم إلا أن يتيقن أنهم فعلوا أشياء من ذلك بمال حرام كالمكوس والغصوب ونحوهما؛ فحينئذ يُتوقَّى الانتفاعُ بما عمل بالمال الحرام.
ولعل ابن عمر رضي الله عنهما إنما أنكر عليهم أخذهم لأموال بيت المال لأنفسهم، ودعواهم أن ما فعلوه منها بعد ذلك فهو صدقة منهم؛ فإن هذا شبيهٌ بالغصوب وعلى مثل هذا يُحْمَلُ إنكارُ مَنْ أنكر من العلماء على الملوك بنيان المساجد.
* * *
[[ابن الجوزي يرد فتوى]]
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: رأيت بعض المتقدمين سئل عمن كسب حلالا وحراما من السلاطين والأمراء ثم بنى الأربطة والمساجد هل له ثواب؟ فأفتى بما يوجب طيب قلبِ المنفق، وأن له في إنفاق مالا يملكه نوع سمسرة؛ لأنه لا يعرفُ أعيان المغصوبين فيرد عليهم.
قال: فقلت: واعجبا من متصدرين للفتوى لا يعرفون أصول الشريعة؟ ينبغي أن ينظر في حال هذا المنفق أولا.
فإن كان سلطانا فما يخرج من بيت المال فقد عرفت وجوه مصارفه فكيف يَمْنَعُ مستحقيه، ويشغله بما لا يفيد من بناء مدرسة أو رباط؟
وإن كان من الأمراء أو نواب السلاطين فيجب أن يرد ما يجب رده إلى بيت المال.
وإن كان حراما أو غصبا فكل تصرف فيه (١) حرام والواجب رده على من أخذ منه أو ورثته، فإن لم يعرف رد إلى بيت المال، فيصرف في المصالح أو في الصدقة ولم يحظ آخذه بغير الإثم. انتهى.
* * *
(١) في المطبوعة: "فكل شيء يصرف فيه" وهو خطأ يفسد له المعنى.