للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكن المحققين (١) من العلماء من أصحابنا وغيرهم على أن هذا ليس على إطلاقه؛ فإن من مسائل الخلاف ما ثبت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخصة ليس لها مُعارض، فاتباع تلك الرخصة أولى من اجتنابها، وإن لم تكن تلك الرخصة بلغت بعض العلماء؛ فامتنع منها لذلك.

• وهذا كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث، فإنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

"لا ينصرف حتى يسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا (٢) " ولا سيما إن كان شكه في الصلاة؛ فإنه لا يجوز له قطعها. لصحة النهي عنه (٣)، وإن كان بعض العلماء يوجب ذلك.

* * *

[[متى يترك العمل بالرخصة؟]]

وإن كان للرخصة معارض إما من سنة أُخرى، أو من عمل الأمة بخلافها فالأَولى تركُ العمل بها.

وكذا لو كان قد عمل بها شذوذ من الناس، واشتهر في الأمة العملُ بخلافها في أمصار المسلمين من عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإن الأخذ بما عليه عمل المسلمين هو المتعينّ، فإن هذه الأُمة قدْ أجارها الله أن يظهر أهل باطلها على أهل حقها، فما ظهر العمل به في القرون الثلاثة المفضلة فهو الحق، وما عداه فهو باطل.

وها هنا أمر ينبغي التفطُّن له، وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع.

* * *

[[التنزه عن الصغيرة مع ارتكاب الكبيرة ليس من الورع]]

فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورّع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يُحتَمل له ذلك، بل يُنكَر عليه؛ كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من


(١) ب: "المحققون".
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء: باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ١/ ٣٣٧، وباب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ١/ ٢٨٣ وفي البيوع ح ٢٠٥٦.
وأخرجه مسلم في كتاب الحيض: باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك ١/ ٢٨٦.
كلاهما من حديث عبد الله بن زيد وروي نحوه من حديث أبي هريرة كذلك. وتقدم ص ٢٠٧.
(٣) ليست في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>