للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الربيع بن خُثَيم: لو رأيتَ رَجُلًا يُظْهِرُ خَيْرًا، ويُسِرّ شرًّا، أحببتَه عليه؛ آجَرَكَ الله على حبك الخيرَ. ولو رأيتَ رجلًا يُظْهِر شَرًّا ويُسِرُّ خَيْرًا أبغضته عليه؛ آجرك الله على بغضك الشر.

* * *

[[الاختلاف في الدين طريق للتباغض]]

ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين، وكثر تفرقهم، كَثر بسبب ذلك تباغضُهم وتلاعنُهم، وكلٌّ منهم يُظْهرُ أنه يُبْغِضُ لله، وقد يكون في نفس الأمر معذورًا، وقد لا يكون معذورًا، بل يكون متبعًا لهواه، مقصرًا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه؛ فإنَّ كثيرًا من البغض لذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق، وهذا الظن خطأ قطعا، وإن أُريد أنه لا يقول إلا الحقَّ فيما خولِفَ فيه.

• فهذا الظن قد يُخْطئ ويُصيب، وقد يكون الحاملَ على الميل إليه مجرَّدُ الهوى والإلف أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البُغض لله.

فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه؛ خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم.

* * *

[[أمر ينبغي التفطن له: الانتصار للحق لا للمذهب]]

وههنا أمر خفي ينبغي التفطن له.

وهو أن كثيرًا من أئمة الدين قد يقول قولًا مرجوحًا، ويكون مجتهدًا فيه، مأجورًا على اجتهاده فيه، موضوعًا عنه خطؤُه فيه، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة؛ لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لِكَوْن متبوعه قد قاله بحيث إنه لو (١) قاله غيره من أئمة الدين لما قَبِلَهُ، ولا انتصر له، ولا والى مَنْ وافقه، ولا عادى مَنْ خَالَفَهُ، وهو (٢) مع هذا يظن أنه إنما ينتصر (٣) للحق لمنزلة متبوعه، وليس كذلك؛ فإن متبوعه إنما كان قصدُه الانتصارَ للحقِّ وإن أخطأ في اجتهاده.

• وأما هذا التابع فقد شاب (٤) انتصارَه لما يظنه الحقَّ إرادةُ عُلوِّ متْبُوعِهِ، وظُهورِ


(١) م: "لو أنه".
(٢) م: "ولا هو مع".
(٣) م: "انتصر".
(٤) م: "شابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>