للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (١).

وخرج الإِمام أَحمد من حديث أَبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أَن ما أَصابه لم يكن ليخطئه، وما أَخطأَه لم يكن ليصيبه" (٢).

وخرج أبو داود وابن ماجه من حديث زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى ذلك أَيضًا (٣).

[[مدار الوصية]]

واعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأَصل. وما ذكر قبله وبعده فهو متفرع عليه، وراجع إِليه؛ فإِن العبد إذا علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له (٤) من خير وشر ونفع وضر، وأن اجتهاد الخلقَ كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيد أَلبتة - علم حينئذ أَن الله وحده هو الضار النافع، المعطي المانع؛ فأَوجب ذلك للعبد توحيدَ ربه عز وجل، وإفرادَه بالطاعة، وحفْظَ حدودِهِ؛ فإِن المعبود إِنما يُقصد بعبادته جَلْبُ المنافع، ودَفْعُ المضار؛ ولهذا ذَمَّ الله من يعبد من لَا ينفع ولا يضر ولا يغني عن عابده (٥) شيئًا.

[[مقتضى عقيدة التوحيد]]

* فمن عَلِم أنه لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع غيرُ الله، أوجب ذلك إفراده بالخوفِ والرجاءِ، والمحبةِ والسؤال، والتضرُّع والدعاء، وتقديمَ طاعته على طاعة الخلق جميعًا، وأَن يُتَّقَى سُخْطُه ولو كان فيه سَخَطُ الخْلق جميعًا، وإفرادَه بالاستعانة به، والسؤال له، وإِخلاصِ الدعاء له، في حال الشدة، وحال الرخاءِ، خلافَ ما كان


(١) سورة آل عمران: ١٥٤.
(٢) مسند أحمد ٦/ ٤٤١ - ٤٤٢ (الحلبي). بلفظه دون كلمة "إن" في أوله، وصححه في المجمع ٧/ ١٩٧.
(٣) أخرجه أبو داود في كتاب السنة: باب القدر ٢/ ٥٢٧ من حديث ابن الديلمي، قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني لعل الله تعالى أن يذهبه من قلبي. قال: لو أن الله تعالى عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله تعالى ما قبله الله تعالى منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك.
وأخرجه ابن ماجه في مقدمة السنن: باب القدر ١/ ٢٩ - ٣٠ بنحوه مطولا.
وكان ابن رجب دقيقا حين حدد رواية أبي داود وابن ماجه هنا وأنها بالمعنى.
(٤) ب: "عليه".
(٥) ر: "عباده".

<<  <  ج: ص:  >  >>