للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سدِّدُوا وقاربوا" (١) فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإِصابة في جميع الأقوال والأَعمال والمقاصد، كالذي يرمي إلى غرض فيصيبه (٢).

* وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا رضي الله عنه أن يسأل الله عز وجل السداد والهدى، وقال له: "اذكر بالسَّداد تَسْدِيدَك السهم، وبالهدى هدايتَك الطريق" (٣).

* والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السّداد، وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عمد، ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحكم بن حَزْن (٤) الكُلَفي: "أيها الناس إِنكم لن تعملوا أو لن تطيقوا كلَّ ما أمرتكم ولكن سدَّدوا وأَبشروا" (٥).

والمعنى: اقصدوا التسديد والإِصابة والاستقامة، فإِنهم لو سددوا في العمل كلِّه لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كلَّه.

[[أصل الاستقامة]]

* فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد كما فسر أبو بكر الصديق وغيره


(١) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق: باب القصد والمداومة على العمل ١١/ ٢٩٤: ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى ٤/ ٢١٧١ كلاهما من حديث عائشة بلفظ: "سددوا وقاربوا وأبشروا؛ فإنه لن يدخل الجنة أحدًا عمله". قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: "ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله منه برحمة واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".
(٢) نقل الحافظ ابن حجر في الفتح ١١/ ٢٥٥ عن ابن حزم قوله في معنى الأمر بالسداد والمقاربة: أنه - صلى الله عليه وسلم - أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرا سهلا فأمر أمته أن يقتصدوا في الأمور. لأن ذلك يقتضي الاستقامة عادة. اهـ.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٧٢، ٢٥٦ - ٢٥٧، ٢٧٤، ٣٣٢ - ٦٣٣ (المعارف) وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والتوبة والاستغفار: باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل ٤/ ٢٠٣٠ بلفظ: "قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم".
قال النووي في شرحه على مسلم ١٧/ ٤٣ - ٤٤: ومعنى: "اذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم" أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسدد السهم يحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه ولزومه السنة.
(٤) في م: "حزم" وهو تحريف، راجع ترجمة الحكم بن حزن الكلفي ص ٢٧٠.
(٥) أخرجه أبو يعلى في مسنده ١٢/ ٢٠٥ ح ٦٨٢٦ بإسناد صحيح، وبسياقه تامًّا بنحوه وانظر تخريجه في هامشه.

<<  <  ج: ص:  >  >>