للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا ما كانت إضافة ابن رجب تمثل نموًّا عضويًّا في الكتاب، فإنه كان مقيدًا في الأحاديث الأولى باختيار وترتيب أبي زكريا النووي، وقد لمسنا فيه جوانب من هذا النمو، مع ملاحظة التكامل الموضوعي للكتاب كله، بحيث يستطيع الإنسان، في كل أحواله، أن يجد في الكتاب مددًا لسعيه الدائب في الحياة: في عباداته ومعاملاته وأخلاقياته، في محراب الصلاة وميدان القتال، بين أهله وبين الناس. منطلقًا إلى ربه، يقصده بعمل الخير في كل أمره .. ويكفي هنا أن نعود إلى ما ذكره ابن رجب في الحديث السابع: "الدِّينُ النَّصيِحَةُ".

[٥ - الكتاب والمؤلف]

ونستطيع أن نقول: إن هذا الكتاب بعامة، وفصول الأخلاقيات بخاصة، تمثل الكثير من حياة ابن رجب، وإن هناك ترابطًا قويا بين ما ذكره هو في كتابه، وما ذكره عنه من ترجموا له (١).

كان ابن رجب "صاحب عبادة وتهجد، إمامًا ورعا زاهدا، مالت القلوب بالمحبة إليه، وأجمعت الفرق عليه، وكانت مجالسه تذكرةً للقلوب صادعة، وللناس عامة مباركة نافعة، وزهده وورعه فائق الحد. وكان لا يخاف الموت، ولا يهرب من لقائه، وإنما كان ينتظره ويواجهه في صبر وجلد".

ولقد أعانته على بلوغ مكانته العلمية رحلات أبيه، وسماعه معه في الشام والعراق ومكة ومصر، حتى أن العليمي يصفه فيقول: "هو الشيخ الإمام، والحبر البحر الهمام، العالم العامل، البدر الكامل، القدوة الورع، الحافظ الحجة الثقة".

وإذا ما رجعنا إلى حديثه الخاتم عن "ذكر الله" رأيناه مجلس علم وذكر، في افتتاحه وتدفقه وخاتمته، وتُلْقِي اختياراته للنقول التي أوردها ضوءًا قويًّا على المنهج الذي ارتضاه .. وتجد هذا مفصلا في كتابه "لطائف المعارف" فهو يدور مع الشمس والقمر وفصول السنة ومواسم العبادة. وهو في هذا كله خبير بالنفس الإنسانية في إشراقها وأفولها، وإقبالها وإدبارها، بحيث يظل محتفظًا برباط قوي بينه وبين القارئ.

ولنستمع معًا إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي اختاره ليصدر به الفصل الخاص


(١) يراجع التمهيد الذي كتبه هنري لاووست وسامي الدهان لكتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ص (١٨ و ١٩)، والنقول التي أورداها عن محمد بن فهد المكي، والعليمي، ومحمد بن حميد المكي. ط دمشق ١٣٧٠ هـ - ١٩٥١ م، ومقدمة محقق هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>