فهي تعرض لأصول الإسلام والإيمان والإحسان، ومنشأ الإنسان وعلاقته بربه، وبالإنسانية في آفاقها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والسياسية، التي نلقاها في حديث "الدِّينُ النَّصيِحَةُ" وتوضح أدق جوانب التحري في عمل الخير مع الناس كما جاءت في حديث "كُل سُلامى (١) مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُع فيه الشَّمسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَين صَدَقَة، وتُعينُ الرَّجُلَ في دَابَّتهِ فَتَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ: صَدَقَةٌ".
وتعرض الأحاديث لكدح الإنسان إلى ربه في السلم والحرب من أجل حياة أفضل، وحسابه عند ربه في يوم لا تضيع فيه الودائع!!
ولا تكتفي الأحاديث بالتأصيل النظري، وإنما تعطينا النماذج التطبيقية التي نستطيع القيام بها، والنسج على منوالها.
إلى جانب ذلك من الممكن أن نتتبع وحدات فكرية مترابطة داخليًّا، وسط الترابط الكبير للكتاب.
ولنأخذ لذلك نماذج:
حديث:"أَلْحِقُوا الْفَرائِضَ بأَهْلِهَا"(رقم ٤٣) يأتي بعده حديث الرضاعة (رقم ٤٤) والموضوعان مرتبطان. وبين الأحاديث الثلاثة التالية ترابط موضوعي: فمنها حديثان (٤٥، ٤٦) يعرضان لما حرم الله من طعام وشراب وكسب، ويمهدان لحديث عن الزهد:"مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعاءً شَرًّا مِنْ بَطنِه"(٤٧).
وينقلنا هذا الحديث إلى مستوى يوضح ما حذرنا منه ربنا من أخلاق النفاق (٤٨) وبهذا يجمع ابن رجب التحريم المادي والمعنوي في نسق ينقلنا إلى حديث التوكل على الله تعالى، وما يرتبط به من سعى في طلب الرزق (٤٩). ثم يأتي حديث ذكر الله وهو ختام الكتاب كله (٥٠).
فإضافة ابن رجب تبدأ من دائرة الأسرة ونظامها في الميراث والرضاعة، حلالها وحرامها، ثم ما حرم الله من طعام وشراب وكسب، وما حذرنا منه ربنا من أخلاق النفاق، فإذا تطهرت حياة الفرد، توكل على ربه، وسلك صراطًا مستقيمًا، يكسب حلالًا، ويعمل في طلب الخير، ولسانه رطب دائمًا بذكر الله في كل أمره.