للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد يُحمَل على أنه لو أراد تعذيبَهمْ لقدّر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غيرَ ظالم لهم حينئذ

[[خلق الله للظلم لا يقتضي وصفه به]]

• وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنه لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد وهي خلْقهُ وتقديرهُ، فإنه لا يوصف إلا بأفعاله، ولا يوصف بأفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها إنما يوصف بما قام به من صفاته وأفعاله والله أعلم.

* * *

[وجعلته بينكم محرمًا]:

وقوله تعالى: "وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

يعني أنه تعالى حرّم الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرام على كل عبد أن يظلم غيره مع الظلم في نفسه محرّم مطلقًا وهو نوعان:

[[الظلم نوعان]]

• أحدهما: ظلما النفس وأعْظمُه: الشرك، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (١) فإن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق، فعَبدَه وتألّهه فهو وضع الأشياء في غير مواضعها.

وأكثر ما ذكر في القرآن وعيد الظالمين؛ إنما أريد به المشركون كما قال الله عز وجل {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٢) ثم يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائرَ وصغائرَ.

• والثاني: ظلم العبد لغيره، وهو المذكور في هذا الحديث، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكُم وأعراضكم عليكُم حرامٌ كحُرْمة يومِكم هّذا في شَهْركم هذا في بلَدِكم هذا" (٣).


(١) سورة لقمان: ١٣.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٤.
(٣) الحديث مشهور في كتب السنة: باب حجة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وفي الكتب التاريخية، والتي أفردت لحجة الوداع مصنفا خاصا، غير أن هذه الرواية والرواية الآتية التي سيشير إليها ابن رجب: "اسمعوا مني … " جاءتا معا في نسق رواية واحدة أخرجها أحمد في المسند (٥/ ٧٢) (الحلبي) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه. وأوردها ابن كثير عنه في البداية والنهاية ٥/ ٢٠١ - ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>