للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[تفسير كلام الحسن البصري]]

ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عَنْه - من قبل - إلى هذا، فإنَّ تحقُّق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أن يُرَسَّخَ فيه تألُّهُ الله وحده؛ إجلالًا وهيبة ومخافة ومحبة ورجاءً وتعظيمًا وتوكلًا ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم يبق فيه محبة ولا إرادة ولا طلب لغير ما يريده الله ويحبّه، وينتفى بذلك من القلب جميع أهواء النفوس وإراداتها ووساوسُ الشيطان؛ فمن أحب شيئًا أوّ أطاعه، وأحب عليه، وأبغض عليه، فهو إلهه.

فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي ولا يعادي إلا له (١)، فالله إلهه حقا.

[[من اتخذ إلهه هواه]]

ومن أحب لهواه (٢)، وأبغض له، ووالى عليه، وعادى عليه فإلهه هواه كما قال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: ٤٣] (٣).

قال الحسن: هو الذي لا يَهْوَى شيئًا إلا ركبه.

وقال قتادة: هو الذي كلما هوِيَ شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه، لا يحجزُه عن ذلك وَرَعٌ، ولا تقوى.

ويروى من حديث أبي أمامة مرفوعًا "ما تحت ظل السماء [من] إله يُعبد [من دون الله] أعظم عند الله من هوى متبع" (٤).

وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله فقد عبده؛ كما قال الله عز وجل {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (٥).

[[متى يتحقق معنى كلمة التوحيد؟]]

فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: "لا إله إلا الله" إلا لمن لَمْ يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يريده الله، ومتى كان في القلب


(١) في م: "لله".
(٢) ب: "هواه".
(٣) سورة الجاثية: ٢٣. وانظر في أثر الحسن: الدر المنثور ٦/ ٣٥ وتفسير القرطبي ١٦/ ١٦٦ وابن كثير ٤/ ١٥٣.
(٤) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ١/ ١٨٨ عن الطبراني في الكبير وقال: "فيه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث" وشيخه الخصيب بن عجدر وضاع.
وما بين المعقوفات ليس في م وهو في المجمع.
(٥) سورة يس: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>