للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المقدورات بها، وجَرَت سنته في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل؛ فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (١) وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (٢) وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (٣).

قال سَهْلٌ التُّسْتَرِي (٤): "مَنْ طعنَ في الحركة يعني في السعي والكسب؛ فقد طعَنَ في السنة، ومَنْ طَعَن في التوكُّلِ؛ فقدْ طَعَنَ في الإيمان".

فالتوكل حالُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والكَسْبُ سُنّته؛ فمن عَمل علَى حالِه فلا يتركَنَّ سُنتُه.

[[الأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام]]

ثمَّ إن الأعمالَ التي يعملها العبد ثلاثة أقسام:

• أحدها:

الطاعاتُ التي أمر الله عبادَه بها، وجعلها سببًا للنجاة من النار، ودخولِ الجنة، فهذا لابد من فعله مع التوكل على الله فيه، والاستعانة به عليه؛ فإنه لا حول ولا قوّة إلا به، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

فمن قصر في شيء مما وجب عليه من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعًا وقَدَرًا، قال يوسف بن أسباط: "كان يقال: اعْمَل عَمَلَ رجلٍ لا يْنجِيه إلا عملُه، وتوكلْ توكل رَجُلٍ لا يصيبُه إلا ما كُتِبَ له" (٥).

• والثاني:

ما أجرى الله العادة به في الدنيا، وأمر عبادَه بتعاطيه، كالأكل عند الجوع، والشُّرْبِ عند العطش، والاستظلال من الحرّ، والتَّدَفيِّ من البرد، ونحو ذلك.

فهذا أيضًا واجبٌ على المرء تعاطى أسبابه.


(١) سورة النساء: ٧١.
(٢) سورة الأنفال: ٦٠.
(٣) سورة الجمعة: ١٠.
(٤) أورده أبو نعيم في الحلية ١٠/ ١٩٥ بنحوه وباختلاف في الترتيب.
(٥) أورده أبو نعيم في الحلية ٨/ ٢٣٩ - ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>