للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حلاله، ويحرّمون حرامه، ولا يحرّفونه عن مواضعه (١).

* * *

[[المراد بالتحليل والتحريم]]

والمراد بالتحريم والتحليل فعل الحلال، واجتناب الحرام، كما ذكر في هذا الحديث، وقد قال الله تعالى في حق الكفار الذين كانوا يغيرون تحريم الشهور الحُرُم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} (٢).

والمراد: أنهم كانوا يقاتلون في الشهر الحرام عامًا، فيحلُّونه بذلك، ويمتنعون من القتال فيه عامًا، فيحرمونه بذلك.

وقال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} (٣).

وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تَناول بعض الطيبات، زُهْدًا في الدنيا؟ وتَقشُّفًا، وبعضهم حرَّم ذلك على نفسه (٤)، إِما بيمين حَلف بها أو بتحريمه على نفسه، وذلك كله لا يوجب تحريمه في نفس الأمر، وبعضهم أمتنع منه من غير يمين ولا تحريم،


(١) تفسير ابن كثير ١/ ١٦٣ والطبري ٢/ ٥٦٦ - ٥٦٧ ومن روَايته عن ابن مسعود: " والذي نفسي بيده: إن حق تلاوته: أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول شيئًا على غير تأويله" والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٦٦ - وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
(٢) سورة التوبة: ٧ في.
(٣) سورة المائدة: ٨٧ - ٨٨.
(٤) روى الطبري من طريق ابن جريح عن مجاهد، قال: أراد رجال منهم عثمان، وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا، ويخصوا أنفسهم، ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}.
وفسر عكرمة ذلك فقال: إِن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وأبن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالما مولى حذيفة في أصحاب تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس … وهموا بالإخصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
فلما نزلت فيهم بعث إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لأنفسكم عليكم حقا، وإن لأعينكم عليكم حقا، صوموا وأفْطِروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا، فقالوا: اللهم أسلمنا واتبعنا ما أنزلت. ا هـ. وكان النبي عليه السلام قد حذر الناس وخوفهم من عذاب الله عز وجل. فقالت بعض الصحابة: لم نخف إن لم نحدث عملا، ثم عزموا على ذلك.
راجع تفسير الطبري ١٠/ ٥١٦ - ٥١٩ (المعارف) وتفسير ابن كثير ٢/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>