للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويروي مثل هذا عن الحسن البصْري أيضًا، وهو يخالف قوله المشهور: أن التبديل في الدنيا.

وأما ما ذكره الحربي في التبديل، وأن من قلت سيئاته يزاد في حسناته، ومن كثرت سيئاتُه يُقَلل من حسناته، فحديث أبي ذر صريح في ردِّ هذا وأنه يُعطَى مكان كل سيئة حسنةً.

[[التبديل في حق من؟].]

وأما قوله: يلزم من ذلك أن يكون من كثرت سيئاتُه أحسن حالًا ممن قلَّت سيئاته - فيقال: إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته، وجعلها نصب عينيه، فكلما ذكرها ازداد خوفًا ورجلًا وحياءً من الله، ومسارعةً إلى الأعمال الصالحة المكفِّرة كما قال تعالى:

{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} (١).

* * *

وما ذكرناه كلَّه داخل في العمل الصالح، ومن كانت هذه حالَه فإنه يتجرع من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعافَ ما ذاق من حلاوتها عند فعلها، ويصير كل ذنب من ذنوبه سببًا لأعمال صالحة ماحية له؛ فلا يستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات.

وقد وردت أحاديث صريحة في أن الكافر إذا أسلم، وحسن إسلامه: تبدلت سيئاته في الشرك حسنات.

• فخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير عن أبي فروة: شَطْب أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرَأيْتَ رجلا عمل الذنوب كُلَّهَا، ولم يترك حاجة ولا داجة (٢) فهل له من توبة؟ فقال: "أسلمت؟ " قال: نعم قال: "فافعل الخيرات واترك السيئات فيجعلها الله لك خيرات كلها" قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: "نعم" قال: فما زال يكبر حتى توارى (٣).


(١) سورة الفرقان الآية: ٧٠.
(٢) قال في النهاية ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧: المراد ما تركت شيئًا دعتني نفسي إليه من المعاصي إلا وقد ركبته.
والحاجة ما صغر من الحوائج. والداجة: ما كبر.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير ٧/ ٣١٤ عن أحمد بن يزيد الحويطي، عن أبي المغيرة عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي طويل: شطب الممدود أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل له من توبة؟ قال: "فهل أسلمت؟ " قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله: قال: "نعم تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن" قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: "نعم" =

<<  <  ج: ص:  >  >>