ثم رحل معه إلى مصر، فسمع بها من صدر الدين: أبي الفتح الميدومي، وأبي الحرم: محمد بن القلانسي وغيرهما.
ورحل معه كذلك إلى مكة فسمع من الفخر: عثمان بن يوسف.
وكما رافق أباه في حلقات العلم: رافق زين الدين العراقي -شيخ ابن حجر- أستاذ مدرسة تخريج الحديث في عصره. ثم لازم ابن القيم إلى أن مات عام ٧٩٥ هـ.
ووسط هذا الحقل العلمي الخصيب استحصد ابن رجب، واستوى على سوقه، وما لبث أن خرج إلى الحياة يؤدي دوره، ويسدد دَيْنَه، وينهض بمسئوليته نحو الدين والعلم والمجتمع، فكانت حلقاته العلمية، ووعظه السديد، وكانت مؤلفاته العديدة، وآثاره الخالدة، وكانت آراؤه الصائبة، وخلقه القويم!!.
وابن رجب هو علم أسرته الذي رفع في محيط العلم ذكرها، وفرعها الباسق الذي خلَّد على مر العصور أثرها!!.
ولقد استطاع مع هذه الطائفة الجليلة من العلماء الذين تخرج بهم، وتفقه عليهم أن يستوعب مكتبة علمية حفيلة في علوم القرآن، والسنة، والتاريخ، والتصوف، والعقيدة، والفلسفة، والفقه، والأصول، والأدب.
وظهر أثر ذلك كلِّه بيِّنا قويا في مؤلفاته.
فهو عندما يؤلف كتابا يعمِد إلى ما قرأه من مؤلفات، ويأخذ ما يريد، أخذ العليم البصير. ولا تختفي شخصيته وراء ما يأخذ من نقول، وإنما تبرز قوية في التنسيق، والنقد، والمقارنة، والتحليل، والاستنباط، والرأي الشجاع، يجهر به دون مواربة.
وكتابه:"جامع العلوم والحكم" خير مثال لما نقول؛ فهو يشرح فيه خمسين حديثًا من جوامع الكلم، ولكنه يحشِدُ في شرحه لكل حديث: ما يراه واجبَ الذكر من كل ما طوَّف به خلال رحلاته العلمية، أو قراءاته في المصادر المختلفة.
وإذا شئنا أن نتحدث عن المصادر العلمية التي أخرج عنها كتابه هذا ورجع إليها في تأليفه لاستفاض بنا الحديث. وحسبنا أن نشير إلى طرف منها يبين لنا مدى اطلاع الرجل؛ سيما في الناحية الحديثية. محيلين إلى فهرس الكتب آخر الكتاب إن شاء الله.
فمما سيرى القارئ نقولًا منه، أو اختصارا له، أو رجوعًا إليه بين ثنايا الكتاب: