وهذا تمثيل، ومعناه أن عمر لما أخذ الدلو ليستقي عظمت في يده؛ لأن الفتوح كانت في زمنه أكثر منها في زمن أبي بكر، ومعنى استحالت: انقلبت عن الصغر إلى الكبر. وأصله من الغرب وهو البعد، ومنه تغريب الزاني: أي إبعاده. (٢) ومعنى يفري فريه: يفعل فعله "وفريه" فيه وجهان: أحدهما إسكان الراء وتخفيف الياء، والثاني: كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان. انظر النووي على مسلم ١٥/ ١٦٢. (٣) العطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض، وعند ابن أبي شيبة: "حتى روي الناس وضربوا بعطن" وفي رواية أبي يونس: "ملآن يتفجر" راجع فتح الباري في الموضع السابق. وفي النهاية ٣/ ٢٥٨: العطن: مبرك الإبل حول الماء، يقال عطنت الإبل فهي عاطنة وعواطن، إذا سقيت وبركت عند الحياض، لتعاد إلى الشرب مرة أخرى، وأعطنت الإبل إذا فعلت بها ذلك. ضرب ذلك مثلا لاتساع الناس في زمن عمر، وما فتح الله عليهم من الأمصار. وفي النهاية أيضًا ٣/ ٨٠: "ضرب الناس بعطن" أي رويت إبلهم حتى بركت وأقامت مكانها. وقال النووي: "ضرب الناس بعطن"، أي رويت إبلهم ثم آووها إلى عطنها، وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. وكان ذلك إشارة إلى استقرار الأمر في عهد عمر، واتساع رقعة الإسلام واستتباب الأمن. قال النووي، قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما، وحسن سيرتهما، وظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما. وكل ذلك مأخوذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام، وقدر قواعد الإسلام، ومهد أموره، وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا وهو المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - "ذنوبا أو ذنوبين" وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى وحصل في خلافته قتال أهل الردة، وقطع دابرهم، واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه، فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه، ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي بكر رضي الله عنه - وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها، ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات، ولكونه قد مَصَّر الأمصار، ودوَّن الدواوين. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والله يغفر له" فليس فيه تنفيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة. وفي الحديث إعلام بخلافتهما، وصحة ولايتهما، وكثرة الانتفاع بهما، راجع النووي على مسلم ١٥/ ١٦١، وفتح الباري ١٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨. (٤) قال أبو عمرو الشيباني: عبقري القوم سيدهم وقويهم وكبيرهم، وقال الفارابي: العبقري من الرجال الذي =