للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما يَدلُّ على إيجابٍ أو تحريم قطَعَ بنفي الوُجُوب والتَّحْريم كما يقطعُ بانتفاء فريَضة صلاةٍ سادسةٍ، أو صيامِ شهرٍ غير شهر رمضان، أو وجوب الزكاة في غير الأموال الزكَوِيّة، أو حجة غير حجة الإسلام.

وإن كان هذا كلّه يُسْتَدَلُّ عليه بنصوص مُصرَّحة بذلك، وإن ظَنَّ انتفاءَ ما يدلُّ على إيجابٍ أو تحريم، ظن انتفاء الوجوبِ والتَّحريم من غير قَطْع.

* * *

• والمسلك الثاني: أن يُذْكَرَ من أدلَّة الشرع العامة ما يدلُّ على أنّ ما لما يوجبه الشرعُ ولم يُحَرِّمْه؛ فإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عنه؛ كحديث أبي ثَعْلَبَة هذا، وما في معناه من الأحاديث المذكورة معه.

• ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سُئل عن الحجّ في كل عام - فقال: "ذَرُوني ما تركْتُكُم، فإنما هلَكَ من كان قبْلكم بكثرة سؤَالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكُم عن شَيء فاجتنبوهُ، وإذا أَمرْتُكم بأَمْرٍ فأْتُوا منه ما استَطعْتُم" (١).

• ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه: "إن أعظمَ المسلمينَ في المسلمين جُرْمًا مَن سأل عن شيء لَمْ يُحرَّمْ فَحُرِّمَ من أجل مسأَلَته" (٢).

• وقد دلَّ القرآن على مثل هذا أيضًا في مواضع، كقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (٣) فإن هذا يدل على أن ما لم يُوجد تحريمُه فليس بمحرَّم، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (٤) - فَعَنَّفَهُم على ترك الأكل مما لم يذكر (٥) اسمُ الله عليه مُعَلِّلا بأنه قد بيَّن لهم الحرامَ، وهذا ليس منه؛ فدلّ على أن الأشياء على الإباحة وإلا لما ألحق اللوم بمن امتنع من الأكل ممَّا لم ينص له على حِلِّهِ بِمجرَّد كونه لم ينصَّ على تحريمه.

* * *


(١) سبق تخريجه مع أول الكلام على الحديث التاسع وقد أورده ابن رجب عن البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ٢٥١، ٢٥٣.
(٢) أورده ابن رجب عن مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص وقد مضى في شرح الحديث التاسع ص ٢٥١.
(٣) سورة الأنعام: ١٤٥.
(٤) سورة الأنعام: ١١٩.
(٥) م: "ذكر" وفيها تحريف واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>