وقد أورد الترمذي في السنن: ٢٨ - كتاب البر والصلة: ١٩ - باب ما جاء في السترة على المسلم ٤/ ٣٢٦ ح ١٩٣٠ رواية أسباط بن محمد التي أشار إليها ابن رجب، والتي سبق أن أشار الترمذي نفسه إليها، وذلك من رواية عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، عن أبيه، عن الأعمش، قال: حدثت عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره من وجه آخر أطول من روايته الأولى وأخصر من رواية مسلم، ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر وعقبة بن عامر، وهذا حديث حسن وقد روى أبو عوانة وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ولم يذكر فيه حدثت عن أبي صالح". والمفاد من صنيع مسلم والترمذي أمور: الأول: أن الكثير قد رووا هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح بلا واسطة بينهما. والثاني: أن إطباق هؤلاء على رواية الحديث بدون واسطة بين الأعمش وأبي صالح قاض بأن الأعمش قد سمع هذا الحديث من أبي صالح دون واسطة. والثالث: أن رواة الصحيح لو شاموا في الحديث برق تدليس ما أوردوه في كتبهم، كيف وهو موجود في صحيح مسلم!؟. والرابع: أن ما ورد من تحديث الأعمش بالحديث عن أبي صالح بواسطة صحيح أيضًا بدليل تفسير مسلم لذلك وإيضاحه بأن المحدث للحديث عن أبي صالح للأعمش إنما هو ابن نمير. والخامس: أنه إذا أورد الحديث بالواسطة بين الراويين مرة يصرح فيها بالتحديث، وبدونها مرة أخرى بالعنعنة فلا يعني هذا دائمًا أن في الحديث تدليسًا أو انقطاعًا، سيما إذا كانت رواية العنعنة من طريق الكثرة أو رواة الصحيح. والسادس: أنه إذا كان الأمر كذلك فقد صح الأمران معًا: أن الأعمش رواه عن طريق ابن نمير عن أبي صالح وأنه رواه عن أَبي صالح. ومتى صحت الروايتان فقد وجب التوفيق، وقد كفانا مؤنته المباركفوري في شرحه للترمذي ٣/ ١٢٤ حيث قال تعليقًا على الحديث ورواية الأعمش: حدثت عن أبي صالح: "وهذا يدل على أن بين الأعمش وأبي صالح واسطة ولم يسمع هذا الحديث منه، ولم يذكر مَنْ حدثه عنه (وقد عرفنا من مسلم أنه ابن نمير) وقد روى أبو عوانة وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما بينه الترمذي، وهذا يدل على أن الأعمش سمع هذا الحديث من أبي صالح بغير واسطة فالتوفيق أن الأعمش رواه عنه بواسطة، ثم لقيه فسمعه منه من غير واسطة والله أعلم". فإذا أضفنا إلى هذا أن مسلما إنما بدأ بحديث الأعمش عن أبي صالح ثم أورد تحديث ابن نمير للأعمش بحديث أبي صالح في المتابعات تأكد لنا صحة رواية الحديث بدون واسطة لا سيما في ضوء ما ذكره المباركفوري، وقطعت جهيزة قول كل معترض! وحديث الأعمش عن أبي صالح؛ صحيح إذًا.