للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

همّ بقتل رَجُلٍ في الحرم هذا قول الله تعالى: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هكذا قال ابن مسعود - رحمه الله -.

• وقد رد بعضهم هذا إلى ما تقدَّم من المعاصي التي مُتَعَلَّقُها القَلْبُ وقال: الحرمُ يجب احترامه وتحريمه (١) وتعظيمه بالقلوب.

فالعقوبة على ترك هذا الواجب.

وهذا لا يصحّ؛ فإن حُرْمَةَ الحرم ليست بأعظمَ من حُرْمَة محرِّمِهِ سبحانه وتعالى والعزْمُ على معصية الله عزمٌ على انتهاك محارِمه، ولكن لو عزم على ذلك قصدًا لانتهاك (٢)، حُرْمة الحرم، واستخفافًا بحرمته؛ فهذا كما لو عَزَمَ على فعل معصية بقصد (٣) الاستخفاف بحرمة الخالق تعالى؛ فيكفرُ بذلك.

وإنما ينتفى الكفرُ عنه إذا كان هَمُّهُ بالمعصية بمجرد نَيْل شهوته، وغرض نفسه، مع ذهوله عن قصد مخالفة الله، والاستخفافِ بهيبته، وبنظره.

ومتى اقترن العملُ بالهمّ فإنه يعاقبُ عليه، سواءٌ كان الفعل متأخِّرًا أو متقدِّمًا.

فمن فعل محرمًا مرة ثم عزم على فعله متى قدر عليه فهو مُصِرٌّ على المعصية، ومعاقَبٌ على هذه النية، وإن لم يَعُدْ إلى عمله إلا بعد سنين عديدة.

• وبذلك فسر ابنُ المبارك وغيره الإصرارَ على المعصية.

وبكل حال، فالمعصية إنما تُكْتَبُ بمثلها من غير مضاعفةٍ فتكون العُقُوبَة على المعصية، ولا ينضم إليها الهمُّ بها إذ لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها لعُوقِبَ على عمل المعصية عقوبتين، ولا يقال: فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة فإنه (٤) إذا عملها بعد الهمّ بها أثيبَ على الحسنة، دون الهمّ بها، لأنا نقول: هذا ممنوعٌ فإنّ مَنْ عَمِلَ حَسنة كُتبت له عشر أمثالها، فيجوز أن يكون بعض هذه الأمثال جزاء للهمّ بالحسنة والله أعلم.

• وقوله في حديث أبن عباس في رواية مسلم: "أو محاها الله (٥) " يعني أن عملَ السيئة إما أن تُكْتَبَ لعاملها سيئةً واحدة، أو يَمْحُوَهَا الله بما شاء من الأسباب كالتوبة، والاستغفار، وعملِ الحسنات.


(١) ليست في "ا".
(٢) م: "كانتهاك".
(٣) "ا": "لقصد".
(٤) م: "فإنها".
(٥) م: "مجاهد" وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>