للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• وخرجه الإمام أحمد من حديث على بن زيد بن جُدْعَان، عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه مختصرًا.

فهذا المثل في غاية المطابقة لحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمته. فإنه أتاهم والعرب؛ حينئذ (١) أذل الناس، وأقلّهم وأسوؤُهم عيشًا في الدنيا، وحالًا في الآخرة؛ فدعاهم إلى سلوك طريق النجاة، وظهر لهم من براهين صدقه كما ظهر من صدق الذي (٢) جاء إلى القوم الذين في المفازة، وقد نَفِدَ ماؤُهُمْ وهلك ظهرُهم؛ برؤيته في حلة مترجلًا (٣) يقطرُ رأسُه ماء، ودلّهم على الماء والرياض المعْشِبة، فاستدلوا بهيئته وحاله (٤) على صدق مقاله؛ فاتبعوه. وَوَعدَ من اتبعه بفتح بلاد فارس والروم، وأخذ كنوزهما، وحذرهم من الاغترار بذلك، والوقوف معه، وأمرهم بالتجزي من الدنيا بالبلاغ، وبالجد والاجتهاد في طلب الآخرة، والاستعداد لها، فوجدُوا ما وعَدَهم به كلَّه حقًّا، فلما فتحت عليهم الدنيا - كما وعدهم بها - اشتغل أكثر الناس بجمعها، واكتنازها، والمنافسة فيها، ورَضُوا بالإقامة فيها، والتمتع بشهواتها، وتركُوا الاستعدادَ للآخرة التي أمَرَهُمْ بالجد والاجتهاد في طلبها، وقَبِلَ قليلٌ من الناس وصيتَه في الاجتهاد في طلب الآخرة، والاستعداد لها.

• فهذه الطائفة القليلة نجت ولحقت نبيها صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة؛ حيث سلكت طريقته في الدنيا، وقبلت وصيته، وامتثلت ما أمر به.

وأما أكثرُ الناس فلم يزالوا في سكرة الدنيا، والتكاثر فيها، فشغلهم ذلك عن الآخرة، حتى فاجأهُم الموتُ بغتة على هذه الغِرَّة؛ فهلكوا وأصبحوا ما بين قتيل وأسير.

• وما أحسن قولَ يحيى بن معاذ (٥): الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها، لم يفق؛ إلا في عسكر الموتى، نادمًا مع الخاسرين.


= أما الضبط فحسبنا تحوط مسلم في الرواية له مقرونًا بغيره، وأما الورع والتقوى فحسبنا شهادة من شهد له بالصدق كالترمذي والساجي.
توفي سنة ١٢٩ وقيل ١٣١.
راجع ترجمته أيضًا في: سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٠٦ - ٢٠٧، والتاريخ الكبير للبخاري ٣/ ٢/ ٢٧٥.
وتهذيب التهذيب ٧/ ٣٢٢ - ٣٢٤ والتقريب ٢/ ٣٧ والثقات للعجلي ص ٣٤٦ ت ١١٨٦، وأحوال الرجال للجوزجاني ص ١١٤ ت ١٨٥ والجرح والتعديل ٣/ ١/ ١٨٦ - ١٨٧.
(١) م: "إذ ذاك".
(٢) م: "صدق أمر الذي".
(٣) م: "رجلًا".
(٤) م: "بهيئته وجماله وحاله".
(٥) م: "يحيى بن معاذ الرازي".

<<  <  ج: ص:  >  >>