للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أراكم قد أعرضتم؟ لألقينها بين أكتافكم".
وعند الترمذي في السنن: الأحكام: باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبًا ٣/ ٦٣٥ - ٦٣٦ من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استأذن أحدكم جارُه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه".
فلما حدث أبو هريرة طأطأوا رءوسهم فقال: "ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله! لأرمينَّ بها بين أكتافكم" وقد عقب الترمذي على الحديث بقوله: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وروي عن بعض أهل العلم منهم مالك بن أنس قالوا: له أن يمنع جاره أن يضع خشبة في جداره. والقول الأول أصح وعند ابن ماجه في السنة: الأحكام: باب الرجل يضع خشبة على جدار جاره ٢/ ٧٨٢ - ٧٨٣ من حديث أبي هريرة بمثل ما عند الترمذي.
وعند أحمد في المسند ٢/ ٢٤٠ بمثل ما عند الترمذي وابن ماجه وفي ٢/ ٤٦٣ مختصرًا دون قول أبي هريرة وعنده: "من سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه".
وحديث أبي هريرة عند مالك في الموطأ: رواية محمد بن الحسن. باب القضاء ص ٢٨٤ ح ٨٠٤ بنحو رواية البخاري ومسلم.
وقد عقب محمد بن الحسن بتعقيب هام، حيث قال:
وهذا عندنا على وجه التوسع من الناس بعضهم على بعض، وحسن الخلق، فأما في الحكم فلا يجبرون على ذلك.
ثم ساق دليلًا على ما ذهب إليه فقال: "بلغنا أن شريحًا اختُصم إليه في ذلك، فقال للذي وضع خشبه: ارفع رجلك عن مطية أخيك، فهذا الحكم في ذلك، والتوسع أفضل".
ولعل التأمل في قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا استأذن أحدكم أخاه".
"إذا استأذن أحدكم جارُه".
"من سأله جاره".
لعل هذا التأمل في هذه البداية وفي قوله: "فلا يمنعه" يقفنا على أمرين: الأول شرط عدم المنع.
والثاني حكم هذا المنع.
فأما فيما يتعلق بشرط عدم المنع فهو الاستئذان والطلب من صاحب الجدار وإذا فليس حقًّا مطلقًا للجار؛ وإنما هو مقيد باستئذان جاره منه.
وأما فيما يتعلق بحكم عدم المنع أو النهي عن المنع فلا يخلو إما أن يكون للتحريم أو للتنزيه فلو أن النهي كان للتحريم لما كان هناك حاجة إلى الاستئذان ولأخذ الجار هذا الحكم بمجرد حاجته إلى ذلك، أو رفعه إلى القضاء بذلك.
فأما حيث وجه الحديث إلى الاستئذان أو قيد به فإنه ذلك بدوره يعني أمرين:
الأول: أن لا يتعسف من يحتاج إلى غرز خشبة في جدار جاره فيغرزها ليقيم عليها بناء أو نحوه بدون استئذان صاحب الجدار، فهذا مال، والنفس معلقة بمالها ولا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس منه.
والثاني: أنه حرصًا على تنمية العلاقات الإنسانية، وبما لا يخشى معه الضرر أو ضياع الحقوق فإن الأولى - إنسانيًّا - بمن استؤذن في عون لجار بجدار أن يأذن وأن لا يمنع.
فإذا استشعر ضررًا أو خاف ضياع حق له فإن له أن يمنع.
ولعلنا على ذكر مما ذكره محمد بن الحسن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>