وحق الجار في الاستعانة أو الارتفاق بجوار جاره مقيد بالاستئذان والطلب الذي يستل الأحقاد، وينمي عواطف الأخوة. ولعل هذا الحكم كان جديدًا أو كان غريبًا على أسماع من روى لهم أبو هريرة هذا الحديث، ولهذا استبعد ابن حجر أن يكونوا من الصحابة أو من الفقهاء وإلا لما حدث منهم ما حدث؛ حيث، نكسوا رءوسهم، أو طأطأوها تعبيرًا عن استغرابهم. فقد كان هذا التوجيه من أبي هريرة بالحديث حين كان يلي إمرة المدينة ومن هنا كانت مواجهته لما رأى من إعراضهم، ولما استنكر من استثقالهم، قال: ما لي أراكم عنها معرضين وكأنما يريد أن يقول ما لي أراكم أيها المؤمنون هكذا معرضين عن هذه السنة أو هذه المقالة؟ بل كأنما كان يريد أن يذكرهم بقوله تعالى {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة النور: ٥١] معنى قوله: لأرمينها أو لألقينها بين أكتافكم: لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته. وقد أورد ابن حجر عن الخطابي قوله في توضيح هذه الجملة: معناه: إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة. وكما ذكر ابن حجر فقد ذهب البعض إلى أنه متى استؤذن المالك فقد أصبح واجبًا عليه أن يأذن وحرم عليه أن يمتنع وبالتالي كان للقاضي أن يجبره. ولعله يشير إلى رأي ابن حنبل الذي سيذكره ابن رجب بعد مقالة أبي هريرة. وربما عنى هذا ترجيح ابن رجب له. وتأكيدًا لما سبق أن أومأنا إليه قال ابن حجر: ومحل الوجوب عند من قال به: أن يحتاج إليه الجار، ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك، ولا يقدَّم على حاجة المالك. ولعلّنا على ذُكْرٍ من حديث المضارة، وروايات حديث أبي هريرة وقواعد الشريعة وقضاء شريح، وفهم محمد بن الحسن!؟. وهو ما يتسق مع ما أورده ابن رجب عن أحمد بن حنبل، ولا يكاد يختلف مع ما اتضح لنا إلا في جزئية واحدة: أننا نقول إن هذا الوجوب من الناحية الإنسانية لا من حيث الحكم والقضاء، إلا في حالة واحدة: أن يتعنت المالك حيث يتشهى منع نفع الآخرين في الوقت الذي لا يلحقه أي ضرر بأية صورة من وراء ارتفاق جاره بجداره؛ وربما كان هذا أساس إجبار المالك فيما رفع من قضايا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم إلى عمر في ذلك.