وهكذا لم يكتف كل من سمرة وعمران بإبلاغ الحديث، وإنما نصح كل منهما بما يعتبر مخرجًا لعمران أبي هياج من يمينه، مُلَمِّحًا كل منهما بقيمة العفو والصفح والتجاوز. أرأيت كيف كان التطابق بين سمرة وعمران في بلاغ الحديث؟! بل كيف كان التطابق فيما تلا ذلك من نصح لهما ومن حديث؟! والحديث صحيح بشواهده، كما في الإرواء ٢٢٣٠. (١) حديث عبد الله بن يزيد في النهي عن المثلة أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه أولهما [٤٦] في كتاب المظالم: [٣٠] باب النهبي بغير إذن صاحبه ٥/ ١١٩ ح (٢٤٧٤) من طريق آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النهبي والمثلة". وثانيهما في [٧٢] كتاب الذبائح والصيد: [٢٥] باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة ٩/ ٦٤٣ ح ٥٥١٦ من طريق حجاج بن منهال عن شعبة، به: "أنه نهى عن النهبة والمثلة". (٢) في ب: "وروى أحمد وأبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تمثلوا بعبادي" وهذا سهو أو خطأ لعله من الناسخ، فقد رأينا حديث كل من سمرة بن جندب وعمران بن حصين. أما بهذا النص فليس هو من حديثهما، وإنما هو من حديث يعلى بن مرة الثقفي أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٧٣ من حديث عفان، عن وهيب، عن عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله عز وجل: "لا تمثلوا بعبادي" وهو إذًا حديث قدسي. وسيأتي تتمة لحديث يعلى بعد قليل إن شاء الله وفي ر: بعبادي وكتب فوق الياء: "الله" وفي ل، ب: "بعبادي" وكلاهما مروي كما رأيت. (٣) يعلى بن مرة لا يروي حديثًا مرفوعًا كما تفيده عبارة ابن رجب وإنما هو يروي حديثًا قدسيًا أوردنا لك إحدى روايتي أحمد له في مسنده منذ قليل، وها نحن نورد لك الرواية الثانية في مسند أحمد لحديث يعلى ابن مرة ولا ثالث للروايتين في المسند وسنرى من سياق أحمد للرواية الثانية أنها تمثل لنا صورة تطبيقية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنم عن الغيرة الحميدة من جهة، كما تعطي صورة للأسلوب الحكيم من جهة أخرى. فقد روى أحمد في المسند ٤/ ١٧٢ (الحلبي) من طريق عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حفص، عن يعلى بن مرة أنه كان عند زياد جالسًا فأتى برجل شهد فغير شهادته فقال [زياد]: أقطعن لسانك؟! فقال له يعلى: ألا أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: لا تمثلوا بعبادي؟! قال: فتركه. ولئن صحت هذه الراوية فلنا أن نقول: حين يكون الناصح أمينا حكيمًا رفيقًا رقيقًا فلا عجب أن يجعل الله القبول في نصحه وفي توجهيه ولو من طاغية كزياد بن أبيه؟! وقد حدث!. ونعود إلى الرواية التي عزاها ابن رجب لأحمد من حديث يعلي بن مرة مرفوعًا لنقول إضافة إلى ما سبق: هذا اللفظ ليس من رواية أحمد عن يعلى بن مرة وإنما هو من رواية الطبراني عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تمثلوا بعباد الله. =