وفي ٩٢ - كتاب الفتن: ١٧ - باب الفتنة التي تموج كموج البحر ١٣/ ٤٨ ح ٧٠٩٦ من رواية عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه عن الأعمش بإسناده وفيه: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . . الحديث بنحو ما تقدم. وقد أورد ابن حجر في علامات النبوة تعليقًا على الحديث عن بعض الشراح قوله: يحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن [تكون] الصلاة مثلًا - مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد إلخ، والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع ما ذكر من البشر أَو الالتهاء بهم، أو أن يأتي لأجْلهم بما لا يحل له أو يُخِل بما يجب عليه، ثم قال ابن حجر: واستشكل ابن أبي جمرة وقوع التكفير بالمذكورات للوقوع في المحرمات أو الإخلال بالواجب؛ لأن الطاعات لا تسقط ذلك والجراب التزام الأول [أي أن يكون التكفير بالمذكورات لإحداث محرم أو الإخلال بواجب] وأن الممتنع من تكفير المذكورات لوقوع المحرم أو إخلال العبد بواجب ما كان [من ذلك في إطار] كبيرة فهي التي فيها النزاع [أي كما حكى ابن رجب] قال ابن حجر: وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر [بذلك] لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} الآية ا هـ. إذن هناك سيئات تكفر إذا اجتنبت الكبائر ولا يتصور أن تكون هذه السيئات هي الكبائر فقد اشترط أن تجتنب، وقد رتب المولى على اجتنابها تكفير هذا النوع من السيئات الذي لا يمكن أن يكون في مقابل الكبائر إلا الصغائر. ولقد نقل ابن حجر - كذلك قول الزين بن المنير - وسنرى فيه تصورا للسيئات التي تكفرها تلك الطاعات، والتي تعتبر نموذجًا لما يمكن أن يطلق عليه أنه غير كبيرة، وأنَّه سيئة يشملها وعد الله في تلك الآية الكريمة {نكفر عنكم سيئاتكم}. قال ابن المنير: الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن في القسمة، والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن. وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله [لعله يقصد التسويف في إعطاء هذا الحق]. والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد، وإيثاره على كل أحد. والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد. ثم قال: وأسباب الفتنة بمن ذكر غبر منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة. وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلي تعظيم قدرها، لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس يها صلاحية التكفير. ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة ويحتمل أن يقع بالموازنة والأول أظهر. وقال ابن أبي جمرة: خص الرجل بالذكر لأنَّه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم، ثم أشار إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات بل نبه بها على ما عداها - والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداها فذكر من عبادة الأفعال: الصلاة والصيام، ومن عبادة المال: الصدقة، ومن عبادة الأقوال: الأمر بالمعروف أي والنهي عن المنكر. وبهذا يلتقي ابن حجر وابن رجب إلى حد بعيد في هذه القضية.