وقد صححه الحاكم على شرط الشيخين وعقب عليه بما أورده عنه ابن رجب وقد أقره الذهبي. وبعد إيراد هذه الرواية فنحن لا نرى فيها دليلًا على أن الكبائر تكفر بفعل الطاعات كبر الوالدين. فأما أولا فلأنها لم تتعاط السحر، ولم تمتهن عمله، ولم تتخذه لنفسها حرفة. لقد خاضت التجربة! نعم! بيد أنها لم تحترف ولم تعمل لأحد منه شيئًا. ومن هنا فلسنا مع ابن رجب رحمه الله حين يقول: "وكذلك المرأة التي عملت بالسحر". ولقد رأينا أنها وجلت حين خاضت التجربة، فلما أفزعها الأمر رحلت نادمة تائبة تبحث عن حسنة تعملها تذهب بها هذه السيئة التي كانت أشبه ببحث عن وسيلة تستعيد بها زوجها الذي فقدته منها بتعاطي السحر كحرفة تتعامل بها مع الناس ونحن لا نناقش الرواية، ولا نحلل عناصرها، ولا نقول بقبول هذه العناصر، وإنما نقف فقط عندما يفرض علينا سياق ابن رجب لها كدليل يتجه إلى الاستدلال به بعض من يذهب إلى أن الكبائر تكفر بالطاعات ونحن مع ابن رجب فيما سيذهب إليه من رفض هذا الاتجاه بيد أننا لسنا معه: أن المرأة عملت بالسحر والأحرى أن نقول إن المرأة طلبت من غيرها أن يعمل لها عملًا لا أن تقوم هي بعدئذ بمُمَارسة مهنة السحر ولئن كان كلا الأمرين كبيرة فإن الاحتراف أشد في الخطورة والعقوبة سيما والمرأة لم تطلب السحر بذاته وإنما كانت تشتكي إلي العجوز فدلتها على ما لم تعرف، وساقتها إلى ما لم تألف، بل إلى ما طلبت منه الهرب وقد كان الحاكم دقيقًا في روايته حين قال: "جاءت تبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر لم تعمل به". ولعل فزعها من هذا المدخل، وسفرها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان معبرًا أَيما تعبير عن اعترافها بخطئها، واستغفارها من ذنبها، وندمها وتوبتها وإقلاعها وعزمها على عدم عودها إلى شيء منه سيما وقد لمست أنه أمر عجيب، أوقعها في شك مريب!؟ وكاد يفضي بها إلى الشرك والخسران وذلك هو الضلال البعيد!. إن استعظامها لما بدر منها، ومجيئها تائبة، وعدم احترافها للسحر كمهنة هو الذي حدا بالصحابة أن يبحثوا لها في هدي السنة عما يقيلها من كبوتها ويعفي على تلك السيئة حتى يمحوها. =