للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما المقصود الثاني فحاصل لأهل الجنة على أكمل الوجوه وأتمها.

ولا نسبة لا حصل لقلوبهم في الدنيا من لطائف القربِ والأنْسِ والاتصال إلى ما يشاهدونه في الآخرة عَيَانًا فتتنعم قلوبُهم وأبصارُهم وأسماعُهم بقُربِ الله ورؤيته وسماع كلامه، لا سيما في أوقات الصلاة في الدنيا كالجمع والأعْياد.

والمقربون منهم يحصُلُ ذلك لهم كلَّ يوم مرتين بكرة وعشيًّا (١) في وقت صلاة الصبح وصلاة العصر.

ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم حضَّ عقيب ذلك على المحافظة على صلاة العصر، وصلاة الفجر؛ لأن وقت هاتين الصلاتين وقت لرؤية خواص أهل الجنة ربَّهم، وزيارتهم له.

وكذلك نعيم الذكر، وتلاوة القرآن لا ينقطع عنهم أبدًا فَيُلْهَمُون كما يلهمون النَّفَس (٢).

قال ابن عيينة: "لا إله إلا الله" لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا: فَأين (٣) لذةُ الذكر للعارفين في الدنيا من لذّتهم به في الجنة؟!.

فتبين بهذا أن قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} على ظاهره فإن ثواب كلمة التوحيد في الدنيا أن يصل صاحبها إلى قولها في الجنة على الوجه الذي يختص به أهل الجنة.


= الجنة أتاهم ملك فيقول: إن الله يأمركم أن تزوروه، فيجتمعون، فيأمر الله تعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل، ثم توضع مائدة الخلد، قالوا يا رسول الله: وما مائدة الخلد؟ قال زاوية من زواياها أوسع مما بين الشرق والغرب فيطعمون، ثم يُسْقون، ثم يُكْسَوْن، فيقولون: لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز وجل، فيتجلى لهم فيخرون سجدًا، فيقالُ: لستم في دار عمل، إنما أنتم في دار جزاء. وعقب عليه بقوله: رواه أبو نعيم في صفة الجنة، وهو في صفة الجنة ٣/ ٢٣٧ بإسناد ضعيف جدًّا.
(١) روى مسلم في صحيحه من حديث معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أول زمرة تلج الجنة، صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوَّطون فيها. آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة. ومجامرهم من الألُوّة، ورشحهم المسك. ولكل واحد منهم زوجتان، يُرى مُخّ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد. يسبحون الله بكرة وعشيًّا" والألوة: هو العود الذي يتبخر به: العود الهندي.
وقد أخرجه مسلم في: ٥١ كتاب صفة الجنة ونعيمها وأهلها: ٧ - باب صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًّا ٤/ ٢١٨٠ ح (١٧).
(٢) روى مسلم عقب الحديث السابق من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون" قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء" ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس".
والجشاء هو تنفس المعدة من الامتلاء.
(٣) م: "فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>