وأما من كان يرى المنة للسائل عليه، ويرى أنه لو خرج له عن ملكه كله لم يف له يذل سؤاله له، وذلته له، أو كان يقول لأهله: ثيابكم على غيركم أحسنُ منها عليكم، ودوابكم تحت غيركم، أحسنُ منها تحتكم، فهذا نادر جدًّا من طباع بني آدم، وقد انطوى بساط ذلك من أزمان متطاولة.
وأما من زهد فيما في أيدي الناس، وعفَّ عنهم، فإنهم يحبونه، ويكرِّمونه لذلك؛ ويَسُودُ به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة: مَنْ سَيّد أهل هذه القرية؟ قالوا: الْحَسَن، قال: بم سادَهم؟ قالوا؟ احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.
وما أحسن قولَ بعض السلف في وصف الدنيا وأهلها:
وما هي إلا جيفةٌ مستحيلةٌ … عليها كلابٌ هَمُّهنَّ اجتذابُها!
فإن تجتنبها كُنْتَ سِلْمًا لأهلها … وإن تجتَذِبهَا نازَعَتْك كِلَابُها!