للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الجبل فإن استقر لعظمتي فسوف تراني، وروي في كيفية وقوف «موسى» وانتظاره الرؤية قصص طويل اختصرته لبعده وكثرة مواضع الاعتراض فيه.

قوله عز وجل:

فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ...

قال المتأولون المتكلمون كالقاضي ابن الباقلاني وغيره: إن الله عز وجل خلق للجبل حياة وحسا وإدراكا يرى به، ثم تجلى له أي ظهر وبدا سلطانه فاندك الجبل لشدة المطلع، فلما رأى موسى ما بالجبل صعق، وهذا المعنى هو المروي عن ابن عباس، وأسند الطبري عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قال: فوضع الإبهام قريبا من خنصره قال فساخ الجبل، فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس، وأكتمه أنا؟ وقالت فرقة: المعنى فلما تجلى الله للجبل بقدرته وسلطانه اندك الجبل.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يتمسك به المعتزلة تمسكا شديدا لقولهم إن رؤية الله عز وجل غير جائزة، وقائله من أهل السنة إنما يقوله مع اعتقاده جواز الرؤية ولكنه يقول إنه أليق بألفاظ الآية من أن تحمل الآية أن الجبل خلق له إدراك وحياة، وقال الزّجاج: من قال إن التقدير فلما تجلى أمر ربه فقد أخطأ ولا يعرف أهل اللغة ذلك، ورد أبو علي في الإغفال عليه، والدك الانسحاق والتفتت، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر «دكّا» ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عباس والربيع بن خثيم وغيرهم «دكاء» على وزن حمراء، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، فالمعنى جعله أرضا دكاء تشبيها بالناقة، فروي أنه ذهب الجبل بجملته، وقيل ذهب أعلاه وبقي أكثره، وروي أن الجبل تفتت وانسحق حتى صار غبارا تذروه الرياح، وقال سفيان: روي أنه ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر الذي تحت الأرضين، قال ابن الكلبي فهو يهوي فيه إلى يوم القيامة، وروي أنه انكسر ست فرق فوقعت منه ثلاث بمكة ثبير وغار ثور وحراء، وثلاث بالمدينة أحد وورقان ورضوى، قاله النقاش، وقال أبو بكر الهذلي: ساخ في الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة، وصَعِقاً معناه مغشيا عليه كحال من تصيبه الصعقة وهي الصيحة المفرطة، قال الخليل: وهي الوقع الشديد من صوت الرعد قاله ابن زيد وجماعة من المفسرين، وقال قتادة: كان موتا، قال الزجّاج: وهو ضعيف، ولفظة أَفاقَ تقتضي غير هذا، وقوله سُبْحانَكَ أي تنزيها لك كذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تُبْتُ إِلَيْكَ معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>