قال القاضي أبو محمد: ولم يزل عليه السلام يعتمد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر حتى أنه في القيامة يقول «وقتلت نفسا لم أؤمر بقتلها» حسبما صح في حديث الشفاعة، ثم قال عليه السلام لربه معاهدا رَبِّ بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معينا لِلْمُجْرِمِينَ هذا أحسن ما تؤول.
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله فَلَنْ أَكُونَ، والقسم لا يتلقى ب «لن» ، والفاء تمنع أن تنزل «لن» منزلة «لا» أو «ما» فتأمله، واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله «فلا تجعلني ظهيرا» .
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى فَأَصْبَحَ عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالما، ويَتَرَقَّبُ معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثا ومنه قول الشاعر [سلامة بن جندل] : [البسيط]
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له فرع الظنابيب
فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتبا ومؤنبا إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول.
قرأ جمهور القراء «يبطش» ، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، وغلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غيره