للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرْفِ

قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة معناه على أزواجهن أي لا ينظرن إلى غيرهم ولا يمتد طرف إحداهن إلى أجنبي، فهذا هو قصر الطرف، وعِينٌ جمع عيناء وهي الكبيرة العينين في جمال، وأما قوله كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فاختلف الناس في الشيء المشبه به ما هو، فقال السدي وابن جبير: شبه ألوانهن بلون قشر البيضة من النعام وزهو بياض قد خالطته صفرة حسنة، قالوا: و «البيض» نفسه في الأغلب هو المكنون بالريش ومتى شدت به حال فلم يكن مكنونا خرج عن أن يشبه به، وهذا قول الحسن وابن زيد، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]

كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير المال غير محلل

وهذه المعنى كثير في أشعار العرب، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري، «البيض المكنون» أراد به الجوهر المصون.

قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يصح عندي عن ابن عباس لأنه يرده اللفظ من الآية، وقالت فرقة إنما شبههن تعالى ب «البيض المكنون» تشبيها عاما جملة المرأة بجملة البيضة وأراد بذلك تناسب أجزاء المرأة وأن كل جزء منها نسبته في الجودة إلى نوعه نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه فنسبة شعرها إلى عينها مستوية إذ هما غاية في نوعهما، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء، لأنك من حيث جئتها فالنظر فيها واحد.

قوله عز وجل:

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٥٠ الى ٥٣]

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)

هذا التساؤل الذي بين أهل الجنة هو تساؤل راحة وتنعم يتذكرون أمورهم في الجنة وأمر الدنيا وحال الطاعة والإيمان فيها، ثم أخبر الله تعالى عن قول قائِلٌ مِنْهُمْ في قصته فهو مثال لكل من له قَرِينٌ سوء يعطي هذا المثال التحفظ من قرناء السوء، واستشعار معصيتهم وعبر عن قول هذا الرجل بالمضي من حيث كان أمرا متيقنا حاصلا لا محالة، وقال ابن عباس وغيره كان هذان من البشر مؤمن وكافر، وقالت فرقة: هما اللذان ذكر الله تعالى في قوله يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا [الفرقان: ٢٨] وقال مجاهد كان إنسيا وجنيا من الشياطين الكفرة.

قال القاضي أبو محمد: والأول أصوب، وقرأ جمهور الناس «من المصدقين» بتخفيف الصاد من التصديق، وقرأت فرقة «من المصّدقين» بشد الصاد من التصدق، وقال فرات بن ثعلبة البهراني في قصص هذين إنهما كانا شريكين بثمانية آلاف دينار فكان أحدهما يعبد الله ويقصد من التجارة والنظر وكان الآخر كافرا مقبلا على ماله فحل الشركة مع المؤمن وبقي وحده لتقصير المؤمن ثم إنه جعل كلما اشترى شيئا من دار وجارية وبستان ونحوه عرضه على ذلك المؤمن وفخر عليه به فيمضي المؤمن عند ذلك ويتصدق بنحو ذلك الثمن ليشتري به من الله في الجنة فكان من أمرهما في الآخرة ما تضمنته هذه الآية، قال الطبري: وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>