الصَّاخَّةُ: اسم من أسماء القيامة، واللفظة في حقيقتها إنما هي لنفخة الصور التي تصخ الآذان أي تصمها، ويستعمل هذا اللفظ في الداهية التي يصم نبؤها الآذان لصعوبته، وهذه استعارة وكذلك في الصيحة المفرطة التي يصعب وقعها على الأذن، ثم ذكر تعالى فرار المرء من القوم الذين معهودهم أن لا يفر عنهم في الشدائد، ثم رتبهم تعالى الأول فالأول محبة وحنوا، وقرأ أبو أناس جوية «من أخيه وأمه وأبيه» بضم الهاء في كلها، وقال منذر بن سعيد وغيره: هذا الفرار هو خوف من أن يتبع بعضهم بعضا بتبعات إذ الملابسة تعلق المطالبة، وقال جمهور الناس: إنما ذلك لشدة الهول على نحو ما روي أن الرسل تقول يومئذ نفسي نفسي لا أسألك غيري، و «الشأن الذي يغنيه» : هو فكرة في سيئاته وخوفه على نفسه من التخليد في النار، والمعنى يُغْنِيهِ عن اللقاء مع غيره والفكرة في أمره، قال قتادة: أفضى كل إنسان إلى ما يشغله عن غيره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:«لا يضرك في القيامة كان عليك ثياب أم لا» ، وقرأ هذه الآية وقال نحوه: لسودة، وقد قالتا: وا سوأتاه ينظر بعض الناس إلى بعض يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس:
«يغنيه» بالغين منقوطة وضم الياء على ما فسرناه، وقرأ ابن محيصن والزهري وابن السميفع:«يعنيه» بفتح الياء والعين غير منقوطة من قولك عناني الأمر أي قصدني وأردني. ثم ذكر تعالى اختلاف الوجوه من المؤمنين الواثقين برحمة الله حين بدت لهم تباشيرها من الكفار، ومُسْفِرَةٌ: معناه: نيرة باد ضوؤها وسرورها، وتَرْهَقُها معناه تلح عليها، و:«القترة» الغبار و «الغبرة» الأولى إنما هي العبوس والهم كما يرى على وجه المهموم والميت والمريض شبه الغبار، وأما «القترة» : فغبار الأرض ويقال إن ذلك يغشاهم من التراب الذي تعوده البهائم، ثم فسر تعالى أصحاب هذه الوجوه المغبرة بأنهم الكفرة قريش يومئذ ومن جرى مجراهم قديما وحديثا.